Translate

الجمعة، 28 مايو 2021

تفسير سورة الحج - من تفسير الدر المنثور

الحج - تفسير الدر المنثور

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (22)
سُورَة الْحَج/مَدِينَة وآياتها ثَمَان وَسَبْعُونَ/مُقَدّمَة سُورَة الْحَج أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: نزلت سُورَة الْحَج بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت بِالْمَدِينَةِ سُورَة الْحَج
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: نزل بِالْمَدِينَةِ من الْقُرْآن الْحَج غير أَربع آيَات مكيات {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي} الْحَج من الْآيَة 52 - 55 إِلَى {عَذَاب يَوْم عقيم} الْحَج من الْآيَة 52 - 55
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أفضلت سُورَة الْحَج على سَائِر الْقُرْآن بسجدتين قَالَ: نعم
فَمن لم يسجدهما فَلَا يقرأهما
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل وَالْبَيْهَقِيّ عَن خَالِد بن معدان: أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (فضلت سُورَة الْحَج على الْقُرْآن بسجدتين)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة والإسماعيلي وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَنه: كَانَ يسْجد سَجْدَتَيْنِ فِي الْحَج
قَالَ: أَن هَذِه السُّورَة فضلت على سَائِر السُّور بسجدتين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ وَأبي الدَّرْدَاء: انهما سجدا فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَانِ
(6/3)
وَأخرج ابْن شيبَة من طَرِيق أبي الْعُرْيَان الْمُجَاشِعِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي الْحَج سَجْدَة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَيْسَ فِي الْحَج إِلَّا سَجْدَة وَاحِدَة وَهِي الأولى وَالله أعلم
(6/4)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
-
يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت وتضع كل ذَات حمل حملهَا وَترى النَّاس سكارى وماهم بسكارى وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن الْحسن وَغَيره عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: لما نزلت {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} إِلَى قَوْله: {وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} أنزلت عَلَيْهِ هَذِه وَهُوَ فِي سفر فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم ذَلِك قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: ذَلِك يَوْم يَقُول الله لآدَم: ابْعَثْ بعث النَّار
قَالَ: يَا رب وَمَا بعث النَّار قَالَ: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار وواحداً إِلَى الْجنَّة) فانشأ الْمُسلمُونَ يَبْكُونَ
فَقَالَ رَسُول الله: - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قاربوا وسددوا فَإِنَّهَا لم تكن نبوّة قطّ إِلَّا كَانَ بَين يَديهَا جَاهِلِيَّة فتؤخذ الْعدة من الْجَاهِلِيَّة فَإِن تمت وَإِلَّا أكملت من الْمُنَافِقين وَمَا مثلكُمْ: إِلَّا كَمثل الرَّقْمَة فِي ذِرَاع الدَّابَّة أَو كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير ثمَّ قَالَ: إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة فكبروا ثمَّ قَالَ: إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة فكبروا ثمَّ قَالَ: إِنِّي لأرجوا أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة فكبروا قَالَ: فَلَا أَدْرِي قَالَ الثُّلثَيْنِ أم لَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فتفاوت بَين اصحابه فِي السّير فَرفع رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَوته بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم}
(6/4)
إِلَى قَوْله {وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} فَلَمَّا سمع ذَلِك أَصْحَابه حثوا الْمطِي وَعرفُوا أَنه عِنْد قَول يَقُوله فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ أَي يَوْم ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: ذَلِك يَوْم يُنَادي الله تَعَالَى فِيهِ آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: يَا آدم ابْعَثْ بعث النَّار فَيَقُول أَي رب وَمَا بعث النَّار فَيَقُول من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ إِلَى النَّار وَوَاحِد فِي الْجنَّة فتعبس الْقَوْم حَتَّى مَا أبدوا بِضَاحِكَةٍ فَلَمَّا رأى رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الَّذِي بِأَصْحَابِهِ قَالَ: اعْمَلُوا وابشروا فو الَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ أَنكُمْ لمع خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْء إِلَّا أكثرتاه يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَمن مَاتَ من بني آدم وَمن بني إِبْلِيس فَسرِّي عَن الْقَوْم بعض الَّذِي يَجدونَ قَالَ اعْمَلُوا وابشروا فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا أَنْتُم فِي النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير أَو كالرقمة فِي ذِرَاع الدَّابَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قفل عَن غَزْوَة الْعسرَة وَمَعَهُ أَصْحَابه بعد مَا شَارف الْمَدِينَة قَرَأَ {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} فَذكر نَحوه إِلَّا أَنه زَاد فِيهِ: لم يكن رسولان إِلَّا أَن كَانَ بَينهمَا فَتْرَة من الْجَاهِلِيَّة فهم أهل النَّار وَإِنَّكُمْ بَين ظهراني خَلِيقَتَيْنِ لَا يعادهما أحد من أهل الأَرْض إِلَّا كَثرَتَاهُ وهم يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم أهل النَّار وتكمل الْعدة من الْمُنَافِقين
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: نزلت {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} إِلَى قَوْله (وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد) على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي مسير لَهُ فَرفع بهَا صَوته حَتَّى ثاب إِلَيْهِ أَصْحَابه فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا هَذَا يَوْم يَقُول الله لآدَم: يَا آدم قُم فَابْعَثْ بعث النَّار من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين فكَبُر ذَلِك على الْمُسلمين فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سددوا وقاربوا وابشروا فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا أَنْتُم فِي النَّار إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير أَو كالرقمة فِي ذِرَاع الدَّابَّة وَإِن مَعكُمْ لخليقتين مَا كَانَتَا فِي شَيْء قطّ إِلَّا أكثرتاه: يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَمن هلك من كفرة الْإِنْس وَالْجِنّ
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة - وَأَصْحَابه
(6/5)
عِنْده - {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ أَي يَوْم ذَاك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: ذَاك يَوْم يَقُول الله يَا آدم قُم فَابْعَثْ بعث النَّار
فَيَقُول: يارب من كم فَيَقُول: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار وواحداً إِلَى الْجنَّة
فشق ذَلِك على الْقَوْم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا شطر أهل الْجنَّة ثمَّ قَالَ: اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّكُم بَين خَلِيقَتَيْنِ لم تَكُونَا مَعَ أحد إِلَّا أكثرتاه: يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَإِنَّمَا أَنْتُم فِي الْأُمَم كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير أَو كالرقمة فِي ذِرَاع الدَّابَّة وَإِنَّمَا أمتِي جُزْء من ألف جُزْء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسيره فِي غَزْوَة بني المصطلق إِذْ أنزل الله {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} إِلَى قَوْله {وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} فَلَمَّا أنزلت عَلَيْهِ وقف على نَاقَته ثمَّ رفع بهَا صَوته فَتَلَاهَا على أَصْحَابه ثمَّ قَالَ لَهُم: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم ذَاك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: ذَاك يَوْم يَقُول الله لآدَم: يَا آدم ابْعَثْ بعث النَّار من ولدك
فَيَقُول: يارب من كل كم فَيَقُول: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار وواحداً إِلَى الْجنَّة
فَبكى الْمُسلمُونَ بكاء شَدِيدا وَدخل عَلَيْهِم أَمر شَدِيد
فَقَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا أَنْتُم فِي الْأُمَم إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فِي الشَّاة السَّوْدَاء واني لأرجوا أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة بل أَرْجُو أَن تَكُونُوا ثُلثي أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسير لَهُ
فَذكر نَحوه
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الله يَوْم الْقِيَامَة: يَا آدم ابْعَثْ بعث النَّار
فَيَقُول: يَا رب وَمَا بعث النَّار فَيَقُول: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ فَعِنْدَ ذَلِك يشيب الْوَلِيد {وتضع كل ذَات حمل حملهَا وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} قَالَ: فشق ذَلِك على النَّاس فَقَالُوا: يَا رَسُول الله من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ وَيبقى الْوَاحِد فأينا ذَلِك الْوَاحِد فَقَالَ: من يَأْجُوج وَمَأْجُوج ألف ومنكم
(6/6)
وَاحِد
وَهل أَنْتُم فِي الْأُمَم كالشعرة السَّوْدَاء فِي الثور الْأَبْيَض أَو كالشعرة الْبَيْضَاء فِي الثور الْأسود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَلْقَمَة فِي قَوْله {إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} قَالَ: الزلزلة قبل السَّاعَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ أَنه قَرَأَ {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} إِلَى قَوْله {وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} قَالَ: هَذَا فِي الدُّنْيَا من آيَات السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عبيد بن عُمَيْر فِي الْآيَة
قَالَ: هَذِه الْأَشْيَاء تكون فِي الدُّنْيَا قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: زلزلتها شَرطهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} قَالَ: هَذَا بَدْء يَوْم الْقِيَامَة
وَفِي قَوْله {يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت} قَالَ: تتْرك وَلَدهَا للكرب الَّذِي نزل بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {يَوْم ترونها تذهل} قَالَ: تغفل
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت} قَالَ: ذهلت عَن أَوْلَادهَا لغير فطام {وتضع كل ذَات حمل حملهَا} قَالَ: أَلْقَت الْحَوَامِل مَا فِي بطونها لغير تَمام {وَترى النَّاس سكارى} قَالَ: من الْخَوْف {وَمَا هم بسكارى} قَالَ: من الشَّرَاب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الْحسن أَحْمد بن يزِيد الْحلْوانِي فِي كتاب الحروب عَن عمرَان بن حُصَيْن أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الْحسن الْحلْوانِي والحافظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي إِيضَاح الأشكال عَن أبي سعيد قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى} قَالَ الْأَعْمَش: وَهِي قراءتنا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن حُذَيْفَة أَنه كَانَ يقْرَأ {وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ كَذَلِك
(6/7)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي نهيك أَنه قَرَأَ {وَترى النَّاس} يَعْنِي تحسب النَّاس
قَالَ: لَو كَانَت مَنْصُوبَة كَانُوا سكارى وَلكنهَا {ترى} تحسب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع {وَترى النَّاس سكارى} قَالَ: ذَلِك عِنْد السَّاعَة يسكر الْكَبِير ويشيب الصَّغِير وتضع الْحَوَامِل مَا فِي بطونها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَمَا هم بسكارى} قَالَ: من الشَّرَاب
وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
(6/8)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)
-
قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم وَيتبع كل شَيْطَان مُرِيد كتب عَلَيْهِ أَنه من تولاه فَأَنَّهُ يضله ويهديه إِلَى عَذَاب السعير
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم} قَالَ: نزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَيتبع كل شَيْطَان مُرِيد} قَالَ: تمرد على معاصي الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كتب عَلَيْهِ} قَالَ: كتب على الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كتب عَلَيْهِ} قَالَ: على الشَّيْطَان {أَنه من تولاه} قَالَ: اتبعهُ
(6/8)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
-
قَوْله تَعَالَى: ياأيها النَّاس إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مضغه مخلقة وَغير مخلقة لنبين لكم ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء إِلَى أجل مُسَمّى ثمَّ نخرجكم طفْلا
(6/8)
ثمَّ لتبلغوا أَشدّكُم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شَيْئا وَترى الأَرْض هامدة فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج
-
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الصَّادِق المصدوق: إِن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يُرْسل اليه الْملك فينفح فينفح الرّوح وَيُؤمر بِأَرْبَع كَلِمَات بكتب رزقه وأجله وَعَمله وشقي أَو سعيد
فوالذي لَا إِلَه إِلَّا غَيره إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها وَإِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن النُّطْفَة تكون فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ يَوْم على حَالهَا لَا تَتَغَيَّر فَإِذا مَضَت الْأَرْبَعُونَ صَارَت علقَة ثمَّ مُضْغَة كَذَلِك ثمَّ عظاماً كَذَلِك فَإِذا أَرَادَ أَن يُسَوِّي خلقه بعث إِلَيْهِ ملكا فَيَقُول: يَا رب أذكر أم أُنْثَى أشقي أم سعيد أقصير أم طَوِيل أناقص أم زَائِد قوته أَجله أصحيح أم سقيم فَيكْتب ذَلِك كُله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: النُّطْفَة إِذا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِم أَخذهَا ملك من الْأَرْحَام بكفه فَقَالَ: يَا رب مخلقة أم غير مخلقة فَإِن قيل غير مخلقة لم تكن نسمَة وقذفتها الرَّحِم دَمًا وَإِن قيل مخلقة قَالَ: يارب أذكر أم أُنْثَى أشقي أم سعيد مَا الْأَجَل وَمَا الْأَثر وَمَا الرزق وَبِأَيِّ أَرض تَمُوت فَيُقَال للنطفة: من رَبك فَتَقول: الله
فَيُقَال: من رازقك فَتَقول: الله
فَيُقَال لَهُ: اذْهَبْ إِلَى أمّ الْكتاب فَإنَّك ستجد فِيهِ قصَّة هَذِه النُّطْفَة
قَالَ: فتخلق فتعيش فِي أجلهَا وتأكل فِي رزقها وَتَطَأ فِي أَثَرهَا حَتَّى إِذا جَاءَ أجلهَا مَاتَت فدفنت فِي ذَلِك الْمَكَان
(6/9)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا وَقعت النُّطْفَة فِي الرَّحِم بعث الله ملكا فَقَالَ: يَا رب مخلقة أَو غير مخلقة فَإِن قَالَ غير مخلقة مجها الرَّحِم دَمًا وَإِن قَالَ مخلقة قَالَ: يَا رب فَمَا صفة هَذِه النُّطْفَة
أذكر أم أُنْثَى وَمَا رزقها وَمَا أجلهَا أشقي أم سعيد فَيُقَال لَهُ: انْطلق إِلَى أم الْكتاب فاستنسخ مِنْهُ صفة هَذِه النُّطْفَة
فَينْطَلق فينسخها فَلَا يزَال مَعَه حَتَّى يَأْتِي على آخر صفتهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى وكل بالرحم ملكا قَالَ: أَي رب نُطْفَة أَي رب علقَة أَي رب مُضْغَة فَإِذا قضى الله تَعَالَى خلقهَا قَالَ: أَي رب شقى أَو سعيد ذكر أَو أُنْثَى فَمَا الرزق فَمَا الْأَجَل فَيكْتب كَذَلِك فِي بطن أمه
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن حُذَيْفَة بن أسيد الْغِفَارِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأذني هَاتين يَقُول: إِن النُّطْفَة تقع فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَفِي لفظ: إِذا مر بالنطفة إثنتان وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله إِلَيْهَا ملكا فصورها وَخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثمَّ قَالَ: يَا رب أذكر أم أُنْثَى فَيَقْضِي رَبك مَا يَشَاء وَيكْتب الْملك ثمَّ يَقُول: يَا رب أَجله فَيَقُول رَبك مَا شَاءَ وَيكْتب الْملك ثمَّ يَقُول: يَا رب رزقه وَيَقْضِي رَبك مَا يَشَاء وَيكْتب الْملك ثمَّ يخرج الْملك بالصحيفة فِي يَده فَلَا يزِيد على أمره وَلَا ينقص
وَفِي لفظ: يدْخل الْملك على النُّطْفَة بَعْدَمَا تَسْتَقِر فِي الرَّحِم بِأَرْبَعِينَ أَو خمس وَأَرْبَعين لَيْلَة فَيَقُول: يَا رب أشقي أَو سعيد فيُكْتَبان فَيَقُول: أَي رب أذكر أَو أُنْثَى فيكْتبان
فَيكْتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثمَّ تطوى الصُّحُف فَلَا يُزَاد فِيهَا وَلَا ينقص
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مخلقة وَغير مخلقة} قَالَ: المخلقة مَا كَانَ حَيا {وَغير مخلقة} مَا كَانَ من سقط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْعلقَة الدَّم والمضغة اللَّحْم والمخلقة الَّتِي تمّ خلقهَا {وَغير مخلقة} السقط
(6/10)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {مخلقة وَغير مخلقة} قَالَ: تَامَّة وَغير تَامَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ {وَغير مخلقة} السقط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِذا دخل فِي الْخلق الرَّابِع كَانَت نسمَة مخلقة وَإِذا قدم فِيهَا قبل ذَلِك فَهِيَ غير مخلقة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {مخلقة وَغير مخلقة} قَالَ: السقط مَخْلُوق وَغير مَخْلُوق {ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: التَّمام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: إِقَامَته فِي الرَّحِم حَتَّى يخرج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: هَذَا مَا كَانَ من ولد يُولد تَاما لَيْسَ بسقط
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لنبين لكم} قَالَ: إِنَّكُم كُنْتُم فِي بطُون أُمَّهَاتكُم كَذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَترى الأَرْض هامدة} قَالَ: لَا نَبَات فِيهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَترى الأَرْض هامدة} أَي غبراء متهشمة {فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت} يَقُول: نفرق الْغَيْث فِي سبختها وربوها {وأنبتت من كل زوج بهيج} أَي حسن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {زوج بهيج} قَالَ: حسن
(6/11)
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
===========

الحج - تفسير الدر المنثور
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)
-
قَوْله تَعَالَى: ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق وَأَنه يحيي الْمَوْتَى وَأَنه على كل شَيْء قدير وَأَن السَّاعَة آتِيَة لاريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور
أخرج عبد بن حميد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن معَاذ بن جبل قَالَ: من علم أَن الله عز وَجل حق وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور دخل الْجنَّة
(6/11)
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة عَن أبي بكر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا صلى الصُّبْح مرْحَبًا بِالنَّهَارِ الْجَدِيد وَالْكَاتِب والشهيد اكتبا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأشْهد أَن الدّين كَمَا وصف وَالْكتاب كَمَا أنزل وَأشْهد أَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور
وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخه عَن أنس رَفعه: من قَالَ فِي كل يَوْم أَربع مَرَّات: أشهد أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين وَأَنه يحيي وَيُمِيت وَأَنه على كل شَيْء قدير وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور صرف الله عَنهُ السوء
(6/12)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)
-
قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير ثَانِي عطفه ليضل عَن سَبِيل الله لَهُ فِي الدُّنْيَا خزي ونذيقه يَوْم القيامه عَذَاب الْحَرِيق ذَلِك بِمَا قدمت يداك وَأَن الله لَيْسَ بظلام للعبيد
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بِغَيْر علم وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير} قَالَ: يُضَاعف الشَّيْء وَهُوَ وَاحِد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} قَالَ: هُوَ المعرض من العظمة إِنَّمَا ينظر فِي جَانب وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} قَالَ: لاوي رَأسه معرضًا موليا لَا يُرِيد أَن يسمع مَا قيل لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} قَالَ: لاوي عُنُقه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} قَالَ: يعرض عَن الْحق {لَهُ فِي الدُّنْيَا خزي} قَالَ: قتل يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} أنزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث
(6/12)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} قَالَ: هُوَ رجل من بني عبد الدَّار
قلت: شيبَة قَالَ: لَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ثَانِي عطفه} يَقُول: يعرض عَن ذكري
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ثَانِي عطفه} قَالَ: متكبراً فِي نَفسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن أحدهم يُحْرَق فِي الْيَوْم سبعين ألف مرّة
(6/13)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)
-
قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف فَإِن أَصَابَهُ خير اطْمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَته فتْنَة انْقَلب على وَجهه خسر الدُّنْيَا والآخره ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين يَدْعُو من دون الله مَا لَا يضرّهُ وَمَا لَا يَنْفَعهُ ذَلِك هُوَ الضلال الْبعيد يَدْعُو لمن ضره أقرب من نَفعه لبئس الْمولى ولبئس العشير إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار ان الله يفعل مَا يُرِيد
أخرج البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} قَالَ: كَانَ الرجل يقدم الْمَدِينَة فَإِن ولدت امْرَأَته غُلَاما ونتجت خيله قَالَ: هَذَا دين صَالح وَإِن لم تَلد امْرَأَته وَلم تنْتج خيله قَالَ: هَذَا دين سوء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ نَاس من الْأَعْرَاب يأْتونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيسلمون فَإِذا رجعُوا إِلَى بِلَادهمْ فَإِن وجدوا عَام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قَالُوا: إِن ديننَا هَذَا صَالح فَتمسكُوا بِهِ وَإِن وجدوا عَام جَدب وعام ولاد سوء وعام قحط قَالُوا: مَا فِي ديننَا هَذَا خير
فَأنْزل الله {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ أحدهم إِذا قدم الْمَدِينَة - وَهِي أَرض وبيئة - فَإِن صَحَّ بهَا
(6/13)
جِسْمه ونتجبت فرسه مهْرا حسنا وَولدت امْرَأَته غُلَاما رَضِي بِهِ وَاطْمَأَنَّ اليه وَقَالَ: مَا أصبت مُنْذُ كنت على ديني هَذَا إِلَّا خيرا وَإِن رَجَعَ الْمَدِينَة وَولدت امْرَأَته جَارِيَة وتأخرت عَنهُ الصَّدَقَة أَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: وَالله مَا أصبت مُنْذُ كنت على دينك هَذَا إِلَّا شرا
وَذَلِكَ الْفِتْنَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطِيَّة عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أسلم رجل من الْيَهُود فَذهب بَصَره وَمَاله وَولده فتشاءم بِالْإِسْلَامِ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَقلنِي
فَقَالَ: إِن الْإِسْلَام لَا يُقَال
فَقَالَ: لم أصب فِي ديني هَذَا خيرا
ذهب بَصرِي وَمَالِي وَمَات وَلَدي
فَقَالَ: يَا يَهُودِيّ الْإِسْلَام يسبك الرِّجَال كَمَا تسبك النَّار خبث الْحَدِيد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة
وَنزلت: {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} قَالَ: على شكّ
وَفِي قَوْله {فَإِن أَصَابَهُ خير} قَالَ: رخاء وعافية {اطْمَأَن بِهِ} قَالَ: اسْتَقر {وَإِن أَصَابَته فتْنَة} قَالَ: عَذَاب ومصيبة {انْقَلب على وَجهه} قَالَ: ارْتَدَّ على وَجهه كَافِرًا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} قَالَ: كَانَ الرجل يَأْتِي الْمَدِينَة مُهَاجرا فَإِن صَحَّ جِسْمه وَتَتَابَعَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَة وَولدت امْرَأَته غُلَاما وأنتجت فرسه مهْرا قَالَ: وَالله لنعم الدّين وجدت دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا مَا زلت أعرف الزِّيَادَة فِي جَسَدِي وَوَلَدي وَإِن سقم بهَا جِسْمه واحتبست عَلَيْهِ الصَّدَقَة وأزلقت فرسه وأصابته الْحَاجة وَولدت امْرَأَته الْجَارِيَة قَالَ: وَالله لبئس الدّين دين مُحَمَّد هَذَا وَالله مَا زلت أعرف النُّقْصَان فِي جَسَدِي وَأَهلي وَوَلَدي وَمَالِي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} قَالَ: على شكّ {فَإِن أَصَابَهُ خير اطْمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَته فتْنَة انْقَلب على وَجهه} يَقُول: إِن أصَاب خصباً وسلوة من عَيْش وَمَا يَشْتَهِي اطْمَأَن إِلَيْهِ وَقَالَ: أَنا على حق وَأَنا أعرف الَّذِي أَنا عَلَيْهِ {وَإِن أَصَابَته فتْنَة} أَي بلَاء {انْقَلب على وَجهه} يَقُول: ترك مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْحق
(6/14)
فَأنْكر مَعْرفَته خسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
يَقُول: خسر دُنْيَاهُ الَّتِي كَانَ لَهَا يحزن وَبهَا يفرح وَلها يسْخط وَلها يرضى وَهِي همه وسدمه وطلبته وَنِيَّته ثمَّ أفْضى إِلَى الْآخِرَة وَلَيْسَ لَهُ حَسَنَة يعْطى بهَا خيرا {ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {يَدْعُو من دون الله مَا لَا يضرّهُ} إِن عَصَاهُ فِي الدُّنْيَا {وَمَا لَا يَنْفَعهُ} إِن أطاعه وَهُوَ الصَّنَم {يَدْعُو لمن ضره أقرب من نَفعه} يَقُول: ضره فِي الْآخِرَة من أجل عِبَادَته إِيَّاه فِي الدُّنْيَا {لبئس الْمولى} يَقُول: الصَّنَم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {لبئس الْمولى ولبئس العشير} قَالَ: الصاحب
(6/15)
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
=================

الحج - تفسير الدر المنثور
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)
-
قَوْله تَعَالَى: من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء ثمَّ ليقطع فَلْينْظر هَل يذْهبن كَيده مايغيظ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَات بَيِّنَات وَأَن الله يهدي من يُرِيد
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله} قَالَ: من كَانَ يظنّ أَن لن ينصر الله مُحَمَّدًا {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فليمدد بِسَبَب} قَالَ: فليربط حبلاً {إِلَى السَّمَاء} قَالَ: إِلَى سَمَاء بَيته السّقف {ثمَّ ليقطع} قَالَ: ثمَّ يختنق بِهِ حَتَّى يَمُوت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله} يَقُول: أَن لن يرزقه الله {فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء} فليأخذ حبلاً فليربطه فِي سَمَاء بَيته فليختنق بِهِ {فَلْينْظر هَل يذْهبن كَيده مَا يغِيظ} قَالَ: فَلْينْظر هَل يَنْفَعهُ ذَلِك أَو يَأْتِيهِ برزق وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله} قَالَ: أَن لن يرزقه الله {فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء} قَالَ: بِحَبل بَيته {ثمَّ ليقطع} ثمَّ ليختنق {فَلْينْظر هَل يذْهبن كَيده} ذَلِك {مَا يغِيظ} قَالَ: ذَلِك خيفة أَن لَا يرْزق
(6/15)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: من كَانَ يظنّ أَن لن ينصر الله نبيه ويكابد هَذَا الْأَمر ليقطعه عَنهُ فليقطع ذَلِك من أَصله من حَيْثُ يَأْتِيهِ فَإِن أَصله فِي السَّمَاء {ثمَّ ليقطع} أَي عَن النَّبِي الْوَحْي الَّذِي يَأْتِيهِ من الله إِن قدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: من كَانَ يظنّ أَن لن ينصر الله مُحَمَّدًا فليجعل حبلاً فِي سَمَاء بَيته فليختنق بِهِ فَلْينْظر هَل يغِيظ ذَلِك إِلَّا نَفسه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله} يَقُول: من كَانَ يظنّ أَن الله غير نَاصِر دينه {فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء} سَمَاء الْبَيْت فليختنق {فَلْينْظر} مَا يرد ذَلِك فِي يَده
(6/16)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)
-
قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَالَّذين أشركوا إِن الله يفصل بَينهم يَوْم الْقِيَامَة أَن الله على كل شَيْء شَهِيد
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ: الصائبون قوم يعْبدُونَ الْمَلَائِكَة وَيصلونَ الْقبْلَة ويقرأون الزبُور {وَالْمَجُوس} عَبدة الشَّمْس وَالْقَمَر والنيران وَأما {الَّذين أشركوا} فهم عَبدة الْأَوْثَان {إِن الله يفصل بَينهم يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: الْأَدْيَان سِتَّة: فخمسة للشَّيْطَان وَدين لله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {إِن الله يفصل بَينهم} قَالَ: فصل قَضَاءَهُ بَينهم فَجعل الْجنَّة مُشْتَركَة وَجعل هَذِه الْأمة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت الْيَهُود: عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى: الْمَسِيح ابْن الله
وَقَالَت الصابئة: نَحن نعْبد الْمَلَائِكَة من دون الله
وَقَالَت الْمَجُوس: نَحن نعْبد الشَّمْس وَالْقَمَر من دون الله
وَقَالَت الْمُشْركُونَ: نَحن نعْبد الْأَوْثَان من دون الله
فَأوحى الله إِلَى نبيه ليكذِّبَ قَوْلهم: (قل
(6/16)
هُوَ الله أحد) (سُورَة الصَّمد الْآيَة 1) إِلَى آخرهَا (وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا) (الْإِسْرَاء آيَة 111) وَأنزل الله {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: {الَّذين هادوا} الْيَهُود والصائبون لَيْسَ لَهُم كتاب الْمَجُوس أَصْحَاب الْأَصْنَام وَالْمُشْرِكُونَ نَصَارَى الْعَرَب
(6/17)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)
-
قَوْله تَعَالَى: ألم ترى أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَالْجِبَال وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَكثير من النَّاس وَكثير حق عَلَيْهِ الْعَذَاب وَمن يهن الله فَمَا لَهُ من مكرم إِن الله يفعل مَا يَشَاء هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار يصب من فَوق رُؤْسهمْ الْحَمِيم يصهر بِهِ مافي بطونهم والجلود وَلَهُم مَقَامِع من حَدِيد كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم أعيدوا فِيهَا وذوقوا عَذَاب الْحَرِيق إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فِيهَا حَرِير
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَاوَات} الْآيَة
قَالَ: سُجُود ظلّ هَذَا كُله {وَكثير من النَّاس} قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ {وَكثير حق عَلَيْهِ الْعَذَاب} قَالَ: هَذَا الْكَافِر سُجُود ظله وَهُوَ كَارِه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: سُجُود كل شَيْء فيئه وَسُجُود الْجبَال فَيْئهَا
(6/17)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الثَّوْب يسْجد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا فِي السَّمَاء من شمس وَلَا قمر وَلَا نجم إِلَّا يَقع سَاجِدا حَتَّى يغيب ثمَّ لَا ينْصَرف حَتَّى يُؤذن لَهُ فَيَأْخُذ ذَات الْيَمين حَتَّى يرجع إِلَى معلمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا فَاء الْفَيْء لم يبْق شَيْء من دَابَّة وَلَا طَائِر إِلَّا خر لله سَاجِدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن دِينَار رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رجلا يطوف بِالْبَيْتِ ويبكي فَإِذا هُوَ طَاوس فَقَالَ: عجبت من بُكَائِي قلت: نعم
قَالَ: وَرب هَذِه البنية إِن هَذَا الْقَمَر ليبكي من خشيَة الله وَلَا ذَنْب لَهُ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ابْن أبي مليكَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر رجل على عبد الله بن عَمْرو وَهُوَ ساجد فِي الْحجر وَهُوَ يبكي فَقَالَ: أتعجب أَن أبْكِي من خشيَة الله وَهَذَا الْقَمَر يبكي من خشيَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لم يسْتَثْن من هَؤُلَاءِ أحدا حَتَّى إِذا جَاءَ ابْن آدم اسْتَثْنَاهُ فَقَالَ {وَكثير من النَّاس} قَالَ: وَالَّذِي أَحَق بالشكر هُوَ أَكْثَرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة والخلعي فِي فَوَائده عَن عَليّ أَنه قيل لَهُ: إِن هَهُنَا رجلا يتَكَلَّم فِي الْمَشِيئَة
فَقَالَ لَهُ عَليّ: يَا عبد الله خلقك الله لما يَشَاء أَو لما شِئْت قَالَ: بل لما يَشَاء
قَالَ: فيمرضك إِذا شَاءَ أَو إِذا شِئْت قَالَ: بل إِذا شَاءَ
قَالَ: فيشفيك إِذا شَاءَ أَو إِذا شِئْت قَالَ: بل إِذا شَاءَ
قَالَ: فيدخلك الْجنَّة حَيْثُ شَاءَ أَو حَيْثُ شِئْت قَالَ: بل حَيْثُ شَاءَ
قَالَ: وَالله لَو قلت غير ذَلِك لضَرَبْت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك بِالسَّيْفِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقسم قسما إِن هَذِه الْآيَة {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} إِلَى قَوْله {ان الله يفعل مَا يُرِيد} نزلت فِي الثَّلَاثَة وَالثَّلَاثَة الَّذين تبارزوا يَوْم بدر وهم: حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعبيدَة بن الْحَارِث
(6/18)
وعليّ بن أبي طَالب وَعتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة والوليد بن عتبَة
قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَنا أول من يجثو فِي الْخُصُومَة على رُكْبَتَيْهِ بَين يَدي الله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق قيس بن عبَادَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَنا أول من يجثو بَين يَدي الرَّحْمَن للخصومة يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ قيس: فيهم نزلت {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} قَالَ: هم الَّذين بارزوا يَوْم بدر: عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة وَشَيْبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد ابْن عتبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بارز عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة وَعتبَة وَشَيْبَة والوليد قَالُوا لَهُم: تكلمُوا نعرفكم
قَالَ: أَنا عَليّ وَهَذَا حَمْزَة وَهَذَا عُبَيْدَة
فَقَالُوا: أكفاء كرام فَقَالَ عَليّ: أدعوكم إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله
فَقَالَ عتبَة: هَلُمَّ للمبارزة
فبارز عَليّ شيبَة فَلم يلبث أَن قَتله وبارز حَمْزَة عتبَة فَقتله وبارز عُبَيْدَة الْوَلِيد فصعب عَلَيْهِ فَأتى عَليّ فَقتله
فَأنْزل الله {هَذَانِ خصمان}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: لما الْتَقَوْا يَوْم بدر قَالَ لَهُم عتبَة بن ربيعَة: لَا تقتلُوا هَذَا الرجل فَإِنَّهُ إِن يكن صَادِقا فَأنْتم أسعد النَّاس بصدقه وَإِن يكن كَاذِبًا فَأنْتم أَحَق من حقن دَمه
فقا أَبُو جهل بن هِشَام: لقد امْتَلَأت رعْبًا
فَقَالَ عتبَة: ستعلم أَيّنَا الجبان الْمُفْسد لِقَوْمِهِ
قَالَ: فبرز عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة فَنَادوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالُوا: ابْعَثْ إِلَيْنَا أكفاءنا نقاتلهم
فَوَثَبَ غلمة من الْأَنْصَار من بني الْخَزْرَج فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجلسوا
قومُوا يَا بني هَاشم
فَقَامَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعلي بن أبي طَالب وَعبيدَة بن الْحَارِث فبرزوا لَهُم فَقَالَ عتبَة: تكلمُوا نعرفكم أَن تَكُونُوا أكفاءنا قاتلناكم
قَالَ حَمْزَة: أَنا حَمْزَة بن عبد الْمطلب
أَنا أَسد الله وَأسد رَسُوله
فَقَالَ عتبَة: كُفْء كريم فَقَالَ عَليّ: أَنا عَليّ بن أبي كالب
فَقَالَ: كُفْء كريم فَقَالَ عُبَيْدَة
أَنا عُبَيْدَة بن الْحَارِث
فَقَالَ عتبَة: كُفْء كريم فَأخذ حَمْزَة شيبَة بن ربيعَة وَأخذ عَليّ بن أبي طَالب عتبَة بن ربيعَة وَأخذ عُبَيْدَة الْوَلِيد
فَأَما حَمْزَة فَأجَاز على شيبَة وَأما عَليّ فاختلفا ضربتين [] فَأَقَامَ فَأجَاز على عتبَة وَأما عُبَيْدَة فأصيبت رجله
قَالَ: فَرجع هَؤُلَاءِ وَقتل هَؤُلَاءِ فَنَادَى أَبُو
(6/19)
جهل وَأَصْحَابه: لنا الْعُزَّى وَلَا عزى لكم فَنَادَى مُنَادِي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار
فَأنْزل الله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن لَاحق بن حميد قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة يَوْم بدر {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار} فِي عتبَة ابْن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة
وَنزلت {إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} إِلَى قَوْله (وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد) فِي عَليّ بن أبي طَالب وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} قَالَ: مثل الْمُؤمن وَالْكَافِر اختصامها فِي الْبَعْث
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن قَالَ: هم الْكَافِرُونَ والمؤمنون اخْتَصَمُوا فِي رَبهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} قَالَ: هم أهل الْكتاب قَالُوا للْمُؤْمِنين نَحن أولى بِاللَّه وأقدم مِنْكُم كتابا وَنَبِينَا قبل نَبِيكُم
وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: نَحن أَحَق بِاللَّه آمنا بِمُحَمد وآمنا بنبيكم وَبِمَا أنزل الله من كتاب وَأَنْتُم تعرفُون كتَابنَا وَنَبِينَا ثمَّ تَرَكْتُمُوهُ وكفرتم بِهِ حسداً فَكَانَ ذَلِك خصومتهم فِي رَبهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: اخْتصم الْمُسلمُونَ وَأهل الْكتاب فَقَالَ أهل الْكتاب: نَبينَا قبل نَبِيكُم وَكِتَابنَا قبل كتابكُمْ وَنحن أولى بِاللَّه مِنْكُم وَقَالَ الْمُسلمُونَ: إِن كتَابنَا يقْضِي على الْكتب كلهَا وَنَبِينَا خَاتم الْأَنْبِيَاء فَنحْن أولى بِاللَّه مِنْكُم فأفلج الله أهل الْإِسْلَام على من ناوأهم فَأنْزل الله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} إِلَى قَوْله {عَذَاب الْحَرِيق}
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} قَالَ: هما الْجنَّة وَالنَّار اختصمتا فَقَالَت النَّار: خلقني الله لعقوبته
وَقَالَت الْجنَّة: خلقني الله لِرَحْمَتِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن جَاهد {فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار} قَالَ: الْكَافِر قطعت لَهُ ثِيَاب من نَار وَالْمُؤمن يدْخلهُ الله جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار
(6/20)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار} من نُحَاس وَلَيْسَ من الْآنِية شَيْء إِذا حمي اشْتَدَّ بأحر مِنْهُ
وَفِي قَوْله {يصب من فَوق رؤوسهم الْحَمِيم} قَالَ: النّحاس يذاب على رؤوسهم
وَفِي قَوْله {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم} قَالَ: تسيل أمعاؤهم والجلود قَالَ: تتناثر جُلُودهمْ حَتَّى يقوم كل عُضْو بحياله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَنه قَرَأَ قَوْله {قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار} قَالَ: سُبْحَانَ من قطع من النَّار ثيابًا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كسي أهل النَّار والعري كَانَ خيرا لَهُم وأعطوا الْحَيَاة وَالْمَوْت كَانَ خيرا لَهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَنه تَلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الْحَمِيم ليصب على رؤوسهم فَينفذ الجمجمة حَتَّى يخلص إِلَى جَوْفه فيسلت مَا فِي جَوْفه حَتَّى يَمْرُق من قدمه وَهُوَ الصهر ثمَّ يُعَاد كَمَا كَانَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: يَأْتِيهِ الْملك يحمل الْإِنَاء بكليتين من حرارته فَإِذا أدناه من وَجهه يكرههُ فيرفع مقمعَة مَعَه فَيضْرب بهَا رَأسه فيفذغ دماغه ثمَّ يفرغ الْإِنَاء من دماغه فيصل إِلَى جَوْفه من دماغه
فَذَلِك قَوْله {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم والجلود}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد ابْن جُبَير قَالَ: إِذا جَاءَ أهل النَّار فِي النَّار اسْتَغَاثُوا بشجرة الزقوم فَأَكَلُوا مِنْهَا فاختنست جُلُود وُجُوههم فَلَو أَن ماراً يمر بهم يعرفهُمْ لعرف جُلُود وُجُوههم بهَا ثمَّ يصب عَلَيْهِم الْعَطش فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِمَاء كَالْمهْلِ وَهُوَ الَّذِي قد سَقَطت عَنهُ الْجُلُود و {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم} يَمْشُونَ وأمعاؤهم تساقط وجلودهم ثمَّ يضْربُونَ
بمقامع من حَدِيد فَيسْقط كل عُضْو على حياله يدعونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم والجلود} قَالَ: يَمْشُونَ وأمعاؤهم تساقط وجلودهم
وَفِي قَوْله {وَلَهُم مَقَامِع من حَدِيد} قَالَ: يضْربُونَ بهَا فَيَقَع كل عُضْو على حياله
(6/21)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي والطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {يصهر} قَالَ: يذاب {مَا فِي بطونهم} إِذا شربوا الْحَمِيم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: سخنت صهارته فظل عثانه فِي شيطل كَعْب بِهِ تَتَرَدَّد وظل مرتثياً للشمس تصهره حَتَّى اذا لشمس قَامَت جانباً عدلا وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم والجلود} قَالَ: يسقون مَاء إِذا دخل بطونهم أذابها والجلود مَعَ الْبُطُون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم} قَالَ: يذاب إذابة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة {يصهر بِهِ} قَالَ: يذاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله {يصهر بِهِ} قَالَ: يذاب كَمَا يذاب الشَّحْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَلَهُم مَقَامِع} قَالَ: مطارق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: كَانَ عمر يَقُول: أَكْثرُوا ذكر النَّار فَإِن حرهَا شَدِيد وَإِن قعرها بعيد وَإِن مقامعها حَدِيد
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو أَن مِقْمَعًا من حَدِيد وضع فِي الأَرْض فَاجْتمع الثَّقَلَان مَا أَقلوهُ فِي الأَرْض وَلَو ضرب الْجَبَل بمقمع من حَدِيد لتفتت ثمَّ عَاد كَمَا كَانَ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سلمَان قَالَ: النَّار سَوْدَاء مظْلمَة لَا يضيء لهبا وَلَا جمرها
ثمَّ قَرَأَ {كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم أعيدوا فِيهَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر الْقَارِي أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم}
(6/22)
فَبكى وَقَالَ: أَخْبرنِي زيد بن أسلم فِي هَذِه الْآيَة ان أهل النَّار فِي النَّار لَا يتنفسون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الفضيل بن عِيَاض فِي الْآيَة قَالَ: وَالله مَا طمعوا فِي الْخُرُوج لِأَن الأرجل مُقَيّدَة وَالْأَيْدِي موثقة وَلَكِن يرفعهم لهبا وتردهم مقامعها
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عمر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَمن شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا لم يشربه فِي الْآخِرَة وَمن شرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لم يشرب فِي الْآخِرَة
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبَاس أهل الْجنَّة وشراب أهل الْجنَّة وآنية أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن الزبير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة
قَالَ ابْن الزبير من قبل نَفسه: وَمن لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة لم يدْخل الْجنَّة لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {ولباسهم فِيهَا حَرِير}
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَإِن دخل الْجنَّة لبسه أهل الْجنَّة وَلم يلْبسهُ
(6/23)
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
=================

الحج - تفسير الدر المنثور
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
-
قَوْله تَعَالَى: وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد إِن الَّذين كفرُوا ويصدون عَن سَبِيل الله وَالْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي جَعَلْنَاهُ للنَّاس سَوَاء العاكف فِيهِ والباد وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم وَإِذ بوأنا لإِبراهيم مَكَان الْبَيْت أَن لَا تشرك بِي شَيْئا وطهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر يَأْتِين من كل فج عميق ليشهدوا مَنَافِع
(6/23)
لَهُم ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وهدوا إِلَى الطّيب} قَالَ: ألهموا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل} قَالَ: فِي الْخُصُومَة إِذْ قَالُوا: الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد {وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل} قَالَ: الْقُرْآن {وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد} قَالَ: الْإِسْلَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل} قَالَ: الْإِخْلَاص {وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد} قَالَ: الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الَّذِي قَالَ (إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب)
وَأخرج عبد حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْحرم كُله هُوَ الْمَسْجِد الْحَرَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} قَالَ: خلق الله فِيهِ سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سَوَاء} يَعْنِي شرعا وَاحِدًا {العاكف فِيهِ} قَالَ: أهل مَكَّة فِي مَكَّة أَيَّام الْحَج {والباد} قَالَ: من كَانَ فِي غير أَهلهَا من يعْتَكف بِهِ من الْآفَاق قَالَ: هم فِي منَازِل مَكَّة سَوَاء فَيَنْبَغِي لأهل مَكَّة أَن يوسعوا لَهُم حَتَّى يقضوا مناسكهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ البادي وَأهل مَكَّة سَوَاء فِي الْمنزل وَالْحرم
(6/24)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَعَطَاء {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} قَالَ: سَوَاء فِي تَعْظِيم الْبَلَد وتحريمه
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: {سَوَاء} فِي جواره وأمنه وحرمته {العاكف فِيهِ} أهل مَكَّة {والباد} من يعتكفه من أهل الْآفَاق
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن حُصَيْن قَالَ: سَأَلت سعيد بن جُبَير: أعتكف بِمَكَّة قَالَ: لَا
أَنْت معتكف مَا أَقمت
قَالَ الله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: النَّاس بِمَكَّة سَوَاء لَيْسَ أحد أَحَق بالمنازل من أحد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: من أَخذ من أجور بيُوت مَكَّة إِنَّمَا يَأْكُل فِي بَطْنه نَارا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عَطاء أَنه كَانَ يكره أَن تبَاع بيُوت مَكَّة أَو تكرى
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يكره إِجَارَة بيُوت مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر أَن عمر نهى أَن تغلق أَبْوَاب دور مَكَّة فَإِن النَّاس كَانُوا ينزلون مِنْهَا حَيْثُ وجدوا حَتَّى كَانُوا يضْربُونَ فساطيطهم فِي الدّور
وَأخرج ابْن سعد عَن عمر بن الْخطاب أَن رجلا قَالَ لَهُ عِنْد الْمَرْوَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أقطعني مَكَانا لي ولعقبي
فَأَعْرض عَنهُ عمر وَقَالَ: هُوَ حرم الله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: بيُوت مَكَّة لَا تحل إِجَارَتهَا
وَأخرج ابْن أبي شية عَن ابْن جريج قَالَ: أَنا قَرَأت كتاب عمر بن عبد الْعَزِيز على النَّاس بِمَكَّة فنهاهم عَن كِرَاء بيُوت مَكَّة ودورها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْقَاسِم قَالَ: من أكل شَيْئا من كِرَاء مَكَّة فَإِنَّمَا يَأْكُل نَارا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: كَانَ عمر يمْنَع أهل مَكَّة أَن يجْعَلُوا لَهَا أبواباً حَتَّى ينزل الْحَاج فِي عرصات الدّور
(6/25)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَعْفَر عَن أَبِيه قَالَ: لم يكن للدور بِمَكَّة أَبْوَاب كَانَ أهل مصر وَأهل الْعرَاق يأْتونَ فَيدْخلُونَ دور مَكَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط فِي قَوْله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} قَالَ: البادي الَّذِي يَجِيء من الْحَج والمقيمون سَوَاء فِي الْمنَازل ينزلون حَيْثُ شاؤوا وَلَا يخرج رجل من بَيته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله تَعَالَى {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} قَالَ: سَوَاء الْمُقِيم وَالَّذِي يرحل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} قَالَ: ينزل أهل مَكَّة وَغَيرهم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَكَّة مُبَاحَة لَا تؤجر بيوتها وَلَا تبَاع رباعها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن عَلْقَمَة بن نَضْلَة قَالَ: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر وَمَا تدعى رباع مَكَّة إِلَّا السوائب من احْتَاجَ سكن وَمن اسْتغنى أسكن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عمر أَنه قَالَ: يَا أهل مَكَّة لَا تَتَّخِذُوا لدوركم أبواباً لينزل البادي حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج الدَّارقطني عَن ابْن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أكل كِرَاء بيُوت مَكَّة أكل نَارا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن رَاهَوَيْه وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَفعه فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: لَو أَن رجلا هم فِيهِ بإلحاد وَهُوَ بعدن أبين لأذاقه الله تَعَالَى عذَابا أَلِيمًا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم} قَالَ: من هم بخطيئة فَلم يعملها فِي سوى الْبَيْت لم تكْتب عَلَيْهِ حَتَّى يعملها وَمن هم بخطيئة فِي الْبَيْت لم يمته الله من الدُّنْيَا حَتَّى يذيقه من عَذَاب أَلِيم
(6/26)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أنيس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه مَعَ رجلَيْنِ: أَحدهمَا مُهَاجِرِي وَالْآخر من الْأَنْصَار فافتخروا فِي الْأَنْسَاب فَغَضب عبد الله بن أنيس فَقتل الْأنْصَارِيّ ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وهرب إِلَى مَكَّة
فَنزلت فِيهِ {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم} يَعْنِي من لَجأ إِلَى الْحرم {بإلحاد} يَعْنِي بميل عَن الْإِسْلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد}
قَالَ: من لَجأ إِلَى الْحرم ليشرك فِيهِ عذبه الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: بشرك
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: هُوَ أَن يعبد فِيهِ غير الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} يَعْنِي أَن تستحل من الْحَرَام مَا حرم الله عَلَيْك من لِسَان أَو قتل فتظلم من لَا يظلمك وَتقتل من لَا يقتلك
فَإِذا فعل ذَلِك فقد وَجب لَهُ عَذَاب أَلِيم
وَأخرج ابْن جرير عَن حبيب بن أبي ثَابت فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: هم المحتكرون الطَّعَام بِمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن يعلى بن أُميَّة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: احتكار الطَّعَام فِي الْحرم إلحاد فِيهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: احتكار الطَّعَام بِمَكَّة إلحاد بظُلْم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: بيع الطَّعَام بِمَكَّة إلحاد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: احتكار الطَّعَام بِمَكَّة إلحاد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن منيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ لعبد الله بن عَمْرو
(6/27)
فُسْطَاطَانِ: أَحدهمَا فِي الْحل وَالْآخر فِي الْحرم فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي صلى فِي الَّذِي فِي الْحرم واذا أَرَادَ أَن يُعَاتب أَهله عَاتَبَهُمْ فِي الَّذِي فِي الْحل
فَقيل لَهُ فَقَالَ: كُنَّا نحدَّث أَن من الْإِلْحَاد فِيهِ أَن يَقُول الرجل: كلا وَالله وبلى وَالله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: شتم الْخَادِم فِي الْحرم ظلم فَمَا فَوْقه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تِجَارَة الْأَمِير بِمَكَّة إلحاد
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أقبل تبع بريد الْكَعْبَة حَتَّى إِذا كَانَ بكراع الغميم بعث الله تَعَالَى عَلَيْهِ ريحًا لَا يكَاد الْقَائِم يقوم إِلَّا بِمَشَقَّة
وَيذْهب الْقَائِم يقْعد فيصرع وَقَامَت عَلَيْهِ ولقوا مِنْهَا عناء ودعا تبع حبريه فَسَأَلَهُمَا: مَا هَذَا الَّذِي بعث عليّ قَالَا: أوتؤمنا قَالَ: أَنْتُم آمنون
قَالَا: فَإنَّك تُرِيدُ بَيْتا يمنعهُ الله مِمَّن أَرَادَهُ قَالَ: فَمَا يذهب هَذَا عني قَالَا: تجرد فِي ثَوْبَيْنِ ثمَّ تَقول: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك ثمَّ تدخل فَتَطُوف بِهِ فَلَا تهيج أحدا من أَهله
قَالَ: فَإِن أَجمعت على هَذَا ذهبت هَذِه الرّيح عني قَالَا نعم
فتجرد ثمَّ لبّى فأدبرت الرّيح كَقطع اللَّيْل المظلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم} قَالَ: حَدثنَا شيخ من عقب الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار أَنهم أَخْبرُوهُ أَن أَيّمَا أحد أَرَادَ بِهِ مَا أَرَادَ أَصْحَاب الْفِيل عجل لَهُم الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا وَقَالَ: إِنَّمَا يُؤْتِي استحلاله من قبل أَهله
فَأَخْبرنِي عَنْهُم أَنه وجد سطران بِمَكَّة مكتوبان فِي الْمقَام: أما أَحدهمَا فَكَانَ كِتَابَته: بِسم الله وَالْبركَة وضعت بَيْتِي بِمَكَّة طَعَام أَهله اللَّحْم وَالسمن وَالتَّمْر وَمن دخله كَانَ آمنا لَا يحله إِلَّا أَهله
قَالَ: لَوْلَا أَن أَهله هم الَّذين فعلوا بِهِ مَا قد علمت لعجل لَهُم فِي الدُّنْيَا الْعَذَاب
قَالَ: ثمَّ أَخْبرنِي أَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قبل أَن يسْتَحل مِنْهُ الَّذِي يسْتَحل قَالَ: أجد مَكْتُوبًا فِي الْكتاب الأول: عبد الله يسْتَحل بِهِ الْحرم وَعِنْده عبد الله بن عَمْرو بن الْخطاب وَعبد الله بن الزبير
فَقَالَ: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب قَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا: لست قاراً بِهِ إِلَّا حَاجا أَو مُعْتَمِرًا أَو حَاجَة لَا بُد مِنْهَا
وَسكت عبد الله بن الزبير فَلم يقل شَيْئا فاستحل من بعد ذَلِك
(6/28)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من هم بسيئة لم تكْتب عَلَيْهِ حَتَّى يعملها
وَلَو أَن رجلا كَانَ بعدن أبين حدث نَفسه بِأَن يلْحد فِي الْبَيْت والإلحاد فِيهِ: أَن يسْتَحل فِيهِ مَا حرم الله عَلَيْهِ فَمَاتَ قبل أَن يصل إِلَى ذَلِك أذاقه الله من عَذَاب أَلِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد} قَالَ: ان الرجل ليهم بالخطيئة بِمَكَّة وَهُوَ بِأَرْض أُخْرَى فتكتب عَلَيْهِ وَمَا عَملهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: تضَاعف السَّيِّئَات بِمَكَّة كَمَا تضَاعف الْحَسَنَات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: الْقَتْل والشرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن أبي مليكَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: مَا كُنَّا نشك أَنَّهَا الذُّنُوب حَتَّى جَاءَ إعلاج من أهل الْبَصْرَة إِلَى إعلاج من أهل الْكُوفَة فزعموا أَنَّهَا الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: مَا من عبد يهم بذنب فيؤاخذه الله بِشَيْء حَتَّى يعمله إِلَّا من هم بِالْبَيْتِ الْعَتِيق شِرَاء فَإِنَّهُ من هم بِهِ شرا عجل الله لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْحجَّاج فِي الْآيَة قَالَ: إِن الرجل يحدث نَفسه أَن يعْمل ذَنبا بِمَكَّة فيكتبه الله عَلَيْهِ ذَنبا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن عَمْرو بِعَرَفَة ومنزله فِي الْحل ومسجده فِي الْحرم فَقلت لَهُ: لم تفعل هَذَا قَالَ: لِأَن الْعَمَل فِيهِ أفضل والخطيئة فِيهِ أعظم
وَالله أعلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي بِسَنَد ضَعِيف عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دثر مَكَان الْبَيْت فَلم يحجه هود وَلَا صَالح حَتَّى بوأه الله لإِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق حَارِثَة بن مضرب عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم بِبِنَاء الْبَيْت خرج مَعَه إِسْمَاعِيل وَهَاجَر فَلَمَّا قدم مَكَّة رأى على رَأسه فِي مَوضِع الْبَيْت مثل الغمامة فِيهِ مثل الرَّأْس فَكَلمهُ فَقَالَ: يَا
(6/29)
إِبْرَاهِيم ابْن على ظِلِّي أَو على قدري وَلَا تزد وَلَا تنقص
فَلَمَّا بنى خرج وَخلف إِسْمَاعِيل وَهَاجَر
وَذَلِكَ حِين يَقُول الله {وَإِذ بوأنا لإِبراهيم مَكَان الْبَيْت}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن أبي ريَاح قَالَ: لما أهبط الله آدم كَانَ رِجْلَاهُ فِي الأَرْض وَرَأسه فِي السَّمَاء فَيسمع كَلَام أهل السَّمَاء ودعاءهم فيأنس إِلَيْهِم فهابت الْمَلَائِكَة مِنْهُ حَتَّى شكت إِلَى الله فِي دعائها وَفِي صلَاتهَا فأخفضه الله إِلَى الأَرْض فَلَمَّا فقد مَا كَانَ يسمع مِنْهُم استوحش حَتَّى شكا إِلَى الله فِي دُعَائِهِ وَفِي صلَاته فَوجه إِلَى مَكَّة فَكَانَ مَوضِع قدمه قَرْيَة وخطوة مفازة حَتَّى انْتهى إِلَى مَكَّة فَأنْزل الله ياقوتة من ياقوت الْجنَّة فَكَانَت على مَوضِع الْبَيْت الْآن فَلم يزل يُطَاف بِهِ حَتَّى أنزل الله الطوفان فَرفعت تِلْكَ الياقوتة حَتَّى بعث الله إِبْرَاهِيم فبناه
فَذَلِك قَول الله {وَإِذ بوأنا لإِبراهيم مَكَان الْبَيْت}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق معمر عَن قَتَادَة قَالَ: وضع الله الْبَيْت مَعَ آدم حِين أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض وَكَانَ مهبطه بِأَرْض الْهِنْد وَكَانَ رَأسه فِي السَّمَاء وَرجلَاهُ فِي الأَرْض وَكَانَت الْمَلَائِكَة تهابه فنقص إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا فَحزن آدم إِذْ فقد أصوات الْمَلَائِكَة وتسبيحهم فَشَكا ذَلِك إِلَى الله فَقَالَ الله: يَا آدم إِنِّي قد أهبطت لَك بَيْتا يُطَاف بِهِ كَمَا يُطَاف حول عَرْشِي وَيصلى عِنْده كَمَا يصلى عِنْد عَرْشِي
فَاخْرُج إِلَيْهِ
فَخرج اليه آدم ومدّ لَهُ فِي خطوه فَكَانَ بَين كل خطوتين مفازة
فَلم تزل تِلْكَ المفاوز بعد على ذَلِك
وأتى آدم فَطَافَ بِهِ وَمن بعده من الْأَنْبِيَاء
قَالَ معمر: وَأَخْبرنِي أبان أَن الْبَيْت أهبط ياقوتة وَاحِدَة أَو درة وَاحِدَة
قَالَ معمر: وَبَلغنِي أَن سفينة نوح طافت بِالْبَيْتِ سبعا حَتَّى إِذا أغرق الله قوم نوح فقدوا بَقِي أساسه فبوّأه الله لإِبراهيم فبناه بعد ذَلِك
فَذَلِك قَول الله {وَإِذ بوأنا لإِبراهيم مَكَان الْبَيْت}
قَالَ معمر: قَالَ ابْن جريج: قَالَ نَاس: أرسل الله سُبْحَانَهُ سحابه فِيهَا رَأس فَقَالَ الرَّأْس: يَا ابرهيم إِن رَبك يَأْمُرك أَن تَأْخُذ قدر هَذِه السحابة
فَجعل ينظر إِلَيْهَا ويخط قدرهَا
قَالَ الرَّأْس: قد فعلت قَالَ: نعم
ثمَّ ارْتَفَعت فحفر فأبرز عَن أساس ثَابت فِي الأَرْض
قَالَ ابْن جريج: قَالَ مُجَاهِد: أقبل الْملك والصرد والسكينة مَعَ إِبْرَاهِيم من الشَّام فَقَالَت السكينَة:
(6/30)
يَا إِبْرَاهِيم ريض على الْبَيْت
قَالَ: فَلذَلِك لَا يطوف الْبَيْت أَعْرَابِي وَلَا ملك من هَذِه الْمُلُوك إِلَّا رَأَيْت عَلَيْهِ السكينَة وَالْوَقار
قَالَ ابْن جريج: وَقَالَ ابْن الْمسيب: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: وَكَانَ الله استودع الرُّكْن أَبَا قبيس فَلَمَّا بنى إِبْرَاهِيم ناداه أَبُو قبيس فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيم هَذَا الرُّكْن فيّ فخده
فحفر عَنهُ فَوَضعه فَلَمَّا فرغ إِبْرَاهِيم من بنائِهِ قَالَ: قد فعلت يَا رب فأرنا مناسكنا
أبرزها لنا وعلمناها
فَبعث الله جِبْرِيل فحج بِهِ حَتَّى إِذا رأى عَرَفَة قَالَ: قد عرفت
وَكَانَ أَتَاهَا قبل ذَلِك مرّة
قَالَ: فَلذَلِك سميت عَرَفَة حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم النَّحْر عرض لَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: احصب
فَحَصَبه بِسبع حَصَيَات
ثمَّ الْيَوْم الثَّانِي فالثالث فسدّ مَا بَين الجبلين - يَعْنِي إِبْلِيس - فَلذَلِك كَانَ رمي الْجمار
قَالَ: اعْل على ثبير
فعلاه فَنَادَى: يَا عباد الله أجِيبُوا الله
يَا عباد الله أطِيعُوا الله
فَسمع دَعوته من بَين الأبحر السَّبع مِمَّن كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان
فَهِيَ الَّتِي أعْطى الله إِبْرَاهِيم فِي الْمَنَاسِك قَوْله: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك وَلم يزل على وَجه الأَرْض سَبْعَة مُسلمُونَ فَصَاعِدا فلولا ذَلِك هَلَكت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: كَانَ الْبَيْت غثاة - وَهِي المَاء - قبل أَن يخلق الله الأَرْض بِأَرْبَعِينَ عَاما وَمِنْه دحيت الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن السّديّ قَالَ: إِن الله عزَّ وجلَّ أَمر إِبْرَاهِيم أَن يَبْنِي الْبَيْت هُوَ وَإِسْمَاعِيل فَانْطَلق إِبْرَاهِيم حَتَّى أَتَى مَكَّة فَقَامَ هُوَ وَإِسْمَاعِيل وَأخذ المعاول لَا يدريان أَيْن الْبَيْت فَبعث الله ريحًا يُقَال لَهَا ريح الخجوج لَهَا جَنَاحَانِ وَرَأس فِي صُورَة حَيَّة فكنست لَهما مَا حول الْكَعْبَة من الْبَيْت الأول واتبعاها بالمعاول يحفران حَتَّى وضعا الأساس
فَذَلِك حِين يَقُول الله {وَإِذ بوأنا لإِبراهيم مَكَان الْبَيْت} فَلَمَّا بنيا الْقَوَاعِد فَبلغ مَكَان الرُّكْن قَالَ إِبْرَاهِيم لإسماعيل: اطلب لي حجرا حسنا أَضَعهُ هَهُنَا
قَالَ: يَا أَبَت اني كسلان لغب
قَالَ: عليّ ذَلِك
فَانْطَلق يطْلب لَهُ حجرا فَأَتَاهُ بِحجر فَلم يرضه فَقَالَ: ائْتِنِي بِحجر أحسن من هَذَا
فَانْطَلق يطْلب لَهُ حجرا فَجَاءَهُ جِبْرِيل بِالْحجرِ الْأسود من الْجنَّة وَكَانَ أَبيض ياقوتة بَيْضَاء مثل الثغامة وَكَانَ آدم هَبَط بِهِ من الْجنَّة فاسوّد من خَطَايَا النَّاس فَجَاءَهُ إِسْمَاعِيل بِحجر فَوجدَ عِنْده الرُّكْن فَقَالَ: يَا أَبَت من
(6/31)
جَاءَك بِهَذَا قَالَ: جَاءَنِي بِهِ من هُوَ أنشط مِنْك
فَبَيْنَمَا هما يدعوان بالكلمات الَّتِي ابتلى بهَا إِبْرَاهِيم ربه فَلَمَّا فرغا من الْبُنيان أمره الله أَن يُنَادي
فَقَالَ {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حَوْشَب بن عقيل قَالَ: سَأَلت مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر: مَتى كَانَ الْبَيْت قَالَ: خلقت الْأَشْهر لَهُ
قلت: كم كَانَ طول بِنَاء إِبْرَاهِيم قَالَ: ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا
قلت: كم هُوَ الْيَوْم قَالَ: سِتَّة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا: قلت: هَل بَقِي من حِجَارَة بِنَاء إِبْرَاهِيم شَيْء قَالَ: حشي بِهِ الْبَيْت إِلَّا حجرين مِمَّا يليا الْحجر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ الله لنَبيه {وطهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود} قَالَ: طواف قبل الصَّلَاة
وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطّواف بِالْبَيْتِ بِمَنْزِلَة الصَّلَاة إِلَّا أَن الله قد أحل فِيهِ الْمنطق فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {للطائفين} قَالَ: الَّذين يطوفون بِهِ {والقائمين} قَالَ: الْمُصَلِّين عِنْده
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: القائمون المصلون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن منيع وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما فرغ إِبْرَاهِيم من بِنَاء الْبَيْت قَالَ: ربّ قد فرغت
فَقَالَ {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: ربّ وَمَا يبلغ صوتي قَالَ: أذّن وعليّ الْبَلَاغ
قَالَ: ربّ كَيفَ أَقُول قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس كتب عَلَيْكُم الْحَج إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق
فَسَمعهُ من بَين السَّمَاء وَالْأَرْض أَلا ترى أَنهم يجيئون من أقْصَى الأَرْض يلبون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بنى إِبْرَاهِيم الْبَيْت أوحى الله إِلَيْهِ أَن أذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ
فَقَالَ: أَلا إِن ربكُم قد اتخذ بَيْتا وأمركم أَن تحجوه
فَاسْتَجَاب لَهُ ماسمعه من حجر أَو شجر أَو أكمة أَو تُرَاب أَو شَيْء
فَقَالُوا: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أَمر الله إِبْرَاهِيم أَن يُنَادي فِي النَّاس بِالْحَجِّ صعد أَبَا قبيس فَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ثمَّ نَادَى: إِن الله كتب
(6/32)
عَلَيْكُم الْحَج فأجيبوا ربكُم
فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء وَأول من أَجَابَهُ أهل الْيمن
فَلَيْسَ حَاج من يَوْمئِذٍ إِلَى أَن تقوم السَّاعَة إِلَّا من كَانَ أجَاب إِبْرَاهِيم يَوْمئِذٍ
وَأخرج الديلمي بسندٍ واهٍ عَن عَليّ رَفعه: لما نَادَى إِبْرَاهِيم بِالْحَجِّ لبّى الْخلق فَمن لبّى تَلْبِيَة وَاحِدَة حج وَاحِدَة وَمن لبّى مرَّتَيْنِ حج حجَّتَيْنِ وَمن زَاد فبحساب ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: قَامَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام على الْحجر فَنَادَى: يَا أَيهَا النَّاس كتب عَلَيْكُم الْحَج
فَأَسْمع من فِي أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء فَأجَاب من آمن مِمَّن سبق فِي علم الله أَن يحجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: وقرت فِي كل ذكر وَأُنْثَى
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما فرغ إِبْرَاهِيم من بِنَاء الْبَيْت أوحى الله إِلَيْهِ أَن {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} فَخرج فَنَادَى فِي النَّاس: يَا أَيهَا النَّاس إِن ربكُم قد اتخذ بَيْتا فحجوه
فَلم يسمعهُ حِينَئِذٍ من إنس وَلَا جن وَلَا شَجَرَة وَلَا أكمة وَلَا تُرَاب وَلَا جبل وَلَا مَاء وَلَا شَيْء إِلَّا قَالَ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب الْأَذَان عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أَخذ الْأَذَان من أَذَان إِبْرَاهِيم فِي الْحَج {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: فَأذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِدُعَاء النَّاس إِلَى الله اسْتقْبل الْمشرق فَدَعَا ثمَّ اسْتقْبل الْمغرب فَدَعَا ثمَّ اسْتقْبل الشَّام فَدَعَا ثمَّ اسْتقْبل الْيمن فَدَعَا فَأُجِيب: لبيْك لبيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة أَن الله أوحى إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَن {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} فَقَامَ على الْحجر فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن الله يَأْمُركُمْ بِالْحَجِّ
فَأَجَابَهُ من كَانَ مخلوقاً فِي الأَرْض يَوْمئِذٍ وَمن كَانَ فِي أَرْحَام النِّسَاء وَمن كَانَ فِي أصلاب الرِّجَال وَمن كَانَ فِي البحور فَقَالُوا: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
(6/33)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ جِبْرِيل لإِبْرَاهِيم {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: كَيفَ أؤذن قَالَ: قل يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا إِلَى ربكُم
ثَلَاث مَرَّات
فَأجَاب الْعباد فَقَالُوا: لبيْك اللَّهُمَّ رَبنَا لبيْك لبيْك اللَّهُمَّ رَبنَا لبيْك
فَمن أجَاب إِبْرَاهِيم يَوْمئِذٍ من الْخلق فَهُوَ حَاج
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: لما فرغ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل من بِنَاء الْبَيْت أَمر إِبْرَاهِيم أَن يُؤذن بِالْحَجِّ فَقَامَ على الصَّفَا فَنَادَى بِصَوْت سَمعه مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا إِلَى ربكُم
فَأَجَابُوهُ وهم فِي أصلاب آبَائِهِم فَقَالُوا: لبيْك
قَالَ: فَإِنَّمَا يحجّ الْبَيْت الْيَوْم من أجَاب إِبْرَاهِيم يَوْمئِذٍ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: لما أذن إِبْرَاهِيم بِالْحَجِّ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
فلبى كل رطب ويابس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم أَن يُؤذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ قَامَ على الْمقَام فَنَادَى بِصَوْت أسمع من بَين الْمشرق وَالْمغْرب: يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم: كَيفَ أَقُول قَالَ: قل يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
فَمَا خلق الله من جبل وَلَا شجر ولاشيء من المطيعين لَهُ إِلَّا يُنَادي: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
فَصَارَت التَّلْبِيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم: كَيفَ أَقُول قَالَ: قل يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
فَمَا خلق الله من جبل وَلَا شجر وَلَا شَيْء من المطيعين لَهُ إِلَّا يُنَادي: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
فَصَارَت التَّلْبِيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: تطاول بِهِ الْمقَام حَتَّى كَانَ كأطول جبل فِي الأَرْض فَأذن فيهم بِالْحَجِّ فَأَسْمع من تَحت البحور السَّبع وَقَالُوا: لبيْك أَطعْنَا
لبيْك أجبنا
فَكل من حج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مِمَّن اسْتَجَابَ لَهُ يَوْمئِذٍ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: قيل لإِبْرَاهِيم {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: يَا رب كَيفَ أَقُول قَالَ: قل لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
فَكَانَ إِبْرَاهِيم أول من لبّى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم بِالْحَجِّ قَامَ على الْمقَام فَنَادَى نِدَاء سَمعه جَمِيع أهل الأَرْض: أَلا إِن ربكُم قد وضع بَيْتا وأمركم أَن تحجوه
فَجعل الله فِي أثر قَدَمَيْهِ آيَة فِي الصَّخْرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء قَالَ: صعد إِبْرَاهِيم على الصَّفَا
(6/34)
فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
فَأَسْمع من كَانَ حَيا فِي أصلاب الرِّجَال
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أجَاب إِبْرَاهِيم كل جنّي وإنسي وكل شجر وَحجر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم أَن يُؤذن فِي النَّاس تواضعت لَهُ الْجبَال وَرفعت لَهُ الأَرْض فَقَامَ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صعد إِبْرَاهِيم أَبَا قبيس فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن إِبْرَاهِيم رَسُول الله
أَيهَا النَّاس إِن الله أَمرنِي أَن أنادي فِي النَّاس بِالْحَجِّ
أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
فَأَجَابَهُ من أَخذ الله مثاقه بِالْحَجِّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} يَعْنِي بِالنَّاسِ أهل الْقبْلَة ألم تسمع أَنه قَالَ (إِن أول بَيت وضع للنَّاس
)
إِلَى قَوْله (وَمن دخله كَانَ آمنا) (آل عمرَان آيَة 96) يَقُول: وَمن دخله من النَّاس الَّذين أَمر أَن يُؤذن فيهم وَكتب عَلَيْهِم الْحَج
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {يأتوك رجَالًا} قَالَ: مشَاة {وعَلى كل ضامر} قَالَ: الْإِبِل {يَأْتِين من كل فج عميق} قَالَ: بعيد
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: مَا آسى على شَيْء إِلَّا أَنِّي لم أكن حججْت رَاجِلا لِأَنِّي سَمِعت الله يَقُول {يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} وَهَكَذَا كَانَ يقرأوها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا آسى على شَيْء فَاتَنِي إِلَّا أَنِّي لم أحج مَاشِيا حَتَّى أدركني الْكبر أسمع الله تَعَالَى يَقُول {يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} فَبَدَأَ بِالرِّجَالِ قبل الركْبَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل حجا وهما ماشيان
(6/35)
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من حج من مَكَّة مَاشِيا حَتَّى يرجع إِلَى مَكَّة كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة سَبْعمِائة حَسَنَة من حَسَنَات الْحرم
قيل: وَمَا حَسَنَات الْحرم قَالَ: بِكُل حَسَنَة مائَة ألف حَسَنَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن للْحَاج الرَّاكِب بِكُل خطْوَة تخطوها رَاحِلَته سبعين حَسَنَة وللماشي بِكُل قدم سَبْعمِائة حَسَنَة من حَسَنَات الْحرم
قيل: يَا رَسُول الله وَمَا حَسَنَات الْحرم قَالَ: الْحَسَنَة مائَة ألف حَسَنَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طان الْمَلَائِكَة لتصافح ركاب الْحجَّاج وتعتنق المشاة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يأتوك رجَالًا} قَالَ: على أَرجُلهم {وعَلى كل ضامر} قَالَ: الْإِبِل {يَأْتِين من كل فج عميق} يَعْنِي مَكَان بعيد
وَأخرج ابْن جرير وَعبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يحجون وَلَا يتزوّدون فَأنْزل الله (وتزودوا) (الْبَقَرَة آيَة 197)
وَكَانُوا يحجون وَلَا يركبون فَأنْزل الله {يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} فَأَمرهمْ بالزاد وَرخّص لَهُم فِي الرّكُوب والمتجر
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {من كل فج عميق} قَالَ: طَرِيق بعيد قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: فَسَارُوا العناء وسدوا الفجاج بأجساد عادلها آيدات وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} قَالَ: هم المشاة والركبان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وعَلى كل ضامر} قَالَ: مَا تبلغه الْمطِي حَتَّى تضمر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من كل فج عميق} قَالَ: طَرِيق بعيد
(6/36)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ {من كل فج عميق} قَالَ: مَكَان بعيد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: لَقِي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ركباً يُرِيدُونَ الْبَيْت فَقَالَ: من أَنْتُم فَأَجَابَهُ أحدثهم سنا فَقَالَ: عباد الله الْمُسلمُونَ
فَقَالَ: من أَيْن جئْتُمْ قَالَ: من الْفَج العميق
قَالَ: أَيْن تُرِيدُونَ قَالَ: الْبَيْت الْعَتِيق
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: تأوّلها لعمر الله
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: من أميركم فَأَشَارَ إِلَى شيخ مِنْهُم فَقَالَ عمر: بل أَنْت أَمِيرهمْ لأحدثهم سنا الَّذِي أَجَابَهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ليشهدوا مَنَافِع لَهُم} قَالَ: أسواقاً كَانَت لَهُم
مَا ذكر الله مَنَافِع إِلَّا الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ليشهدوا مَنَافِع لَهُم} قَالَ: مَنَافِع فِي الدُّنْيَا وَمَنَافع فِي الْآخِرَة
فأمّا مَنَافِع الْآخِرَة فرضوان الله عز وَجل
وَأما مَنَافِع الدُّنْيَا فَمَا يصيبون من لُحُوم الْبدن فِي ذَلِك الْيَوْم والذبائح والتجارات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ليشهدوا مَنَافِع لَهُم} قَالَ: الْأجر فِي الْآخِرَة وَالتِّجَارَة فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويذكروا اسْم الله} قَالَ: فِيمَا ينحرون من الْبدن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ويذكروا اسْم الله} قَالَ: كَانَ يُقَال: إِذا ذبحت نسيكتك فَقل بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك عَن فلَان ثمَّ كل وَأطْعم كَمَا أَمرك الله: الْجَار وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب
وَأخرج أَبُو بكر الْمروزِي فِي كتاب الْعِيدَيْنِ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْأَيَّام المعلومات أَيَّام الْعشْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْأَيَّام المعلومات: يَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة أَيَّام بعده
(6/37)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فِي أَيَّام مَعْلُومَات} يَعْنِي أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {فِي أَيَّام مَعْلُومَات} يَعْنِي أَيَّام التَّشْرِيق {على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} يَعْنِي الْبدن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَيَّام المعلومات والمعدودات هن جَمِيعهنَّ أَرْبَعَة أَيَّام
فالمعلومات يَوْم النَّحْر ويومان بعده
والمعدودات ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَيَّام المعلومات يَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة أَيَّام بعده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فِي أَيَّام مَعْلُومَات} قَالَ: قبل يَوْم التَّرويَة بِيَوْم وَيَوْم التَّرويَة وَيَوْم عَرَفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء وَمُجاهد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَيَّام المعلومات أَيَّام الْعشْر
وَأخرج عَن سعيد بن جُبَير وَالْحسن رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ لَا يَأْكُلُون من ذَبَائِح نِسَائِكُم فَأنْزل الله {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير} فَرخص للْمُسلمين فَمن شَاءَ أكل وَمن شَاءَ لم يَأْكُل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: هِيَ رخصَة إِن شَاءَ أكل وَإِن شَاءَ لم يَأْكُل
بِمَنْزِلَة قَوْله: (واذ حللتم فاصطادوا)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا} قَالَ: إِذا ذبحتم فاهدوا وكلوا وأطعموا وأقلوا لُحُوم الْأَضَاحِي عنْدكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح الْحَنَفِيّ رَضِي الله عَنهُ {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير} قَالَ: هِيَ فِي الْأَضَاحِي
(6/38)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن شَاءَ أكل من الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّة وَإِن شَاءَ لم يَأْكُل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَكُلُوا مِنْهَا} أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول للَّذي يبْعَث: بهديه مَعَه كُلْ ثلثا وَتصدق بِالثُّلثِ واهد لآل عتبَة ثلثا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: نحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كل جزور بضعَة فَجعلت فِي قدر فَأكل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي من اللَّحْم وحسوا من المرق
قَالَ سُفْيَان: لِأَن الله يَقُول {فَكُلُوا مِنْهَا}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأطعموا البائس} قَالَ: الزَّمن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله {وأطعموا البائس الْفَقِير} قَالَ: {البائس} الَّذِي لم يجد شَيْئا من شدَّة الْحَاجة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت طرفَة وَهُوَ يَقُول: يَغْشَاهُم البائس المدقع والضيف وجار مجاور جنب وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَمُجاهد قَالَا {البائس} الَّذِي يمد كفيه إِلَى النَّاس يسْأَل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {البائس} الْمُضْطَر الَّذِي عَلَيْهِ الْبُؤْس و {الْفَقِير} الضَّعِيف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {البائس الْفَقِير} قَالَ: هما سَوَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {البائس الْفَقِير} الَّذِي بِهِ زَمَانه وَهُوَ فَقير
(6/39)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
-
قَوْله تَعَالَى: ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: التفث الْمَنَاسِك كلهَا
(6/39)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: التفث قَضَاء النّسك كُله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ فِي التفث: حلق الرَّأْس وَالْأَخْذ من العارضين ونتف الابط وَحلق الْعَانَة وَالْوُقُوف بِعَرَفَة وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَرمي الْجمار وقص الْأَظْفَار وقص الشَّارِب وَالذّبْح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ ليقضوا تفثهم} قَالَ: يَعْنِي بالتفث: وضع إحرامهم من حلق الرَّأْس وَلبس الثِّيَاب وقص الْأَظْفَار
وَنَحْو ذَلِك {وليوفوا نذورهم} قَالَ: يَعْنِي نحر مَا نذروا من الْبدن
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {ثمَّ ليقضوا تفثهم} قَالَ: التفث كل شَيْء أَحْرمُوا مِنْهُ {وليوفوا نذورهم} قَالَ: هُوَ الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {ليقضوا تفثهم} قَالَ: حلق الرَّأْس والعانة ونتف الأبط وقص الشَّارِب والأظافر وَرمي الْجمار وقص اللِّحْيَة: {وليوفوا نذورهم} قَالَ: نذر الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: التفث حلق الْعَانَة ونتف الابط وَأخذ من الشَّارِب وتقليم الأظافر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وليوفوا نذورهم} مثقله بجزم اللَّام
{
وليطوفوا} بجزم اللَّام مثقلة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وليطوفوا} قَالَ: هُوَ الطّواف الْوَاجِب يَوْم النَّحْر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وليطوفوا} قَالَ: هُوَ الطّواف الْوَاجِب يَوْم النَّحْر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وليطوفوا} قَالَ: طواف الزِّيَارَة
(6/40)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وليطوفوا} قَالَ: يَعْنِي زِيَارَة الْبَيْت
وَلَفظ ابْن جرير: هُوَ طواف الزِّيَارَة يَوْم النَّحْر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا سمى الله الْبَيْت الْعَتِيق لِأَن الله أعْتقهُ من الْجَبَابِرَة فَلم يظْهر عَلَيْهِ جَبَّار قطّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّهُ أعتق من الْجَبَابِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّهُ أعتق من الْجَبَابِرَة لم يَدعه جَبَّار قطّ
وَفِي لفظ: فَلَيْسَ فِي الأَرْض جَبَّار يَدعِي أَنه لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّهُ لم يردهُ أحد بِسوء إِلَّا هلك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّهُ أعتق من الْغَرق فِي زمَان نوح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْعَتِيق لِأَنَّهُ أول بَيت وضع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جعل الطّواف بِالْبَيْتِ ملاذاً لِأَن الله لما خلق آدم أَمر إِبْلِيس بِالسُّجُود لَهُ فَأبى فَغَضب الرَّحْمَن فلاذت الْمَلَائِكَة بِالْبَيْتِ حَتَّى سكن غَضَبه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} طَاف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَرَائه
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْحجر من الْبَيْت لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف بِالْبَيْتِ من وَرَائه وَقَالَ الله {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: طواف الْوَدَاع وَاجِب وَهُوَ قَول الله {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق}
(6/41)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَمْرَة قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس: أَتَقْرَأُ سُورَة الْحَج يَقُول الله {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} قَالَ: فَإِن آخر الْمَنَاسِك الطّواف بِالْبَيْتِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا ينفرون من منى إِلَى وُجُوههم فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ وَرخّص للحائض
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: من طَاف بِهَذَا الْبَيْت سبعا لَا يتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا بتكبير أَو تهليل كَانَ عدل رَقَبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عمر قَالَ: من طَاف بِالْبَيْتِ أسبوعاً وَصلى رَكْعَتَيْنِ كَانَ مثل يَوْم وَلدته أمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: من طَاف بِالْبَيْتِ كَانَ عدل رَقَبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من طَاف بِالْبَيْتِ سبعا يُحْصِيه كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة حَسَنَة ومحيت عَنهُ سَيِّئَة وَرفعت لَهُ دَرَجَة وَكَانَ لَهُ عدل رَقَبَة
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عقال قَالَ: طفت مَعَ أنس فِي مطرة فَقَالَ لنا: استأنفوا الْعَمَل فقد غفر لكم طفت من نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مثل هَذَا الْيَوْم فَقَالَ: استأنفوا الْعَمَل فقد غفر لكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَاف حول الْبَيْت أسبوعاً لَا يَلْغُو فِيهِ كَانَ عدل رَقَبَة يعتقها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من طَاف بِالْبَيْتِ خمسين أسبوعاً خرج من الذُّنُوب كَيَوْم وَلدته أمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جُبَير بن مطعم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يابني عبد منَاف لَا تمنعوا أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت وَصلى أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه طَاف بِالْبَيْتِ بعد الْعَصْر وَصلى رَكْعَتَيْنِ فَقيل لَهُ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيست كَسَائِر الْبلدَانِ
(6/42)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا طَاف بِالْبَيْتِ اسْتَلم الْحجر والركن فِي كل طواف
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رَأَيْت عمر بن الْخطاب قبَّل الْحجر وَسجد عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبَّل الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَوضع خَدّه عَلَيْهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: احْفَظُوا هَذَا الحَدِيث
وَكَانَ يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَدْعُو بِهِ بَين الرُّكْنَيْنِ: رب قنعني بِمَا رزقتني وَبَارك لي فِيهِ واخلف عليّ كل غَائِبَة بِخَير
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ان الطّواف بِالْبَيْتِ مثلا الصَّلَاة إِلَّا أَنكُمْ تتكلمون فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرب مَاء فِي الطّواف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الْأَعْلَى التَّيْمِيّ قَالَ: قَالَت خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا: يَا رَسُول الله مَا أَقُول وَأَنا أَطُوف بِالْبَيْتِ قَالَ: قولي: اللَّهُمَّ اغْفِر ذُنُوبِي وخطئي وعمدي وإسرافي فِي أَمْرِي إِنَّك إِن لَا تغْفر لي تهلكني
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أسمعت ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا أمرْتُم بِالطّوافِ بِهِ وَلم تؤمروا بِدُخُولِهِ
قَالَ: لم يكن نَهَانَا عَن دُخُوله وَلَكِن سمعته يَقُول: أَخْبرنِي أُسَامَة بن زيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل الْبَيْت فَلَمَّا خرج ركع رَكْعَتَيْنِ فِي قبل الْبَيْت
وَقَالَ: هَذِه الْقبْلَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَت: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْدِي وَهُوَ قرير الْعين طيب النَّفس ثمَّ رَجَعَ وَهُوَ حَزِين فَقلت: يَا رَسُول الله خرجت من عِنْدِي وَأَنت كَذَا وَكَذَا
قَالَ: إِنِّي دخلت الْكَعْبَة
وددت أَنِّي لم أكن فعلته إِنِّي أَخَاف أَن أكون أَتعبت أمتِي من بعدِي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تَقول: عجبا للمرء الْمُسلم إِذا دخل الْكَعْبَة حِين يرفع بَصَره قِبَل السّقف يدع ذَلِك إجلالاً لله وإعظاماً دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَعْبَة مَا خلف بَصَره مَوضِع سُجُوده حَتَّى خرج مِنْهَا
(6/43)
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
==================

الحج - تفسير الدر المنثور
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)
-
قَوْله تَعَالَى: ذَلِك وَمن يعظم حرمات الله فَهُوَ خير لَهُ عِنْد ربه وَأحلت لكم الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور حنفَاء لله غير مُشْرِكين بِهِ وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خرّ من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ذَلِك وَمن يعظم حرمات الله} قَالَ: الْحُرْمَة الْحَج وَالْعمْرَة وَمَا نهى الله عَنهُ من مَعَاصيه كلهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء وَعِكْرِمَة {ذَلِك وَمن يعظم حرمات الله} قَالَا: الْمعاصِي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمن يعظم حرمات الله} قَالَ: الحرمات الْمشعر الْحَرَام وَالْبَيْت الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْحَرَام والبلد الْحَرَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم عَن عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لن تزَال هَذِه الْأمة بِخَير مَا عظموا هَذِه الْحُرْمَة حق تعظيمها - يَعْنِي مَكَّة - فَإِذا ضيعوا ذَلِك هَلَكُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} يَقُول: اجتنبوا طَاعَة الشَّيْطَان فِي عبَادَة الْأَوْثَان {وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور} يَعْنِي الافتراء على الله والتكذيب بِهِ
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَيمن بن خريم قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس عدلت شَهَادَة الزُّور إشراكاً بِاللَّه ثَلَاثًا ثمَّ قَرَأَ {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور}
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن خريم بن فاتك الْأَسدي قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح فَلَمَّا انْصَرف قَائِما قَالَ: عدلت شَهَادَة
(6/44)
الزُّور الْإِشْرَاك بِاللَّه ثَلَاثًا ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور حنفَاء لله غير مُشْرِكين بِهِ}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي بكرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أنبئكم بأكبر الْكَبَائِر قُلْنَا: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: الْإِشْرَاك بِاللَّه وعقوق الْوَالِدين - وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ - فَقَالَ: أَلا وَقَول الزُّور
أَلا وَشَهَادَة الزُّور
فَمَا زَالَ يكررها حَتَّى قُلْنَا ليته سكت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: شَهَادَة الزُّور تعدل بالشرل بِاللَّه
ثمَّ قَرَأَ {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور} قَالَ: الْكَذِب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور} يَعْنِي الشّرك بالْكلَام
وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يطوفون بِالْبَيْتِ فَيَقُولُونَ فِي تلبيتهم: لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شَرِيكا هُوَ لَك تملكه وَمَا ملك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حنفَاء لله غير مُشْرِكين بِهِ} قَالَ: حجاجاً لله غير مُشْرِكين بِهِ
وَذَلِكَ أَن الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يحجون مُشْرِكين فَلَمَّا أظهر الله الْإِسْلَام قَالَ الله للْمُسلمين: حجُّوا الْآن غير مُشْرِكين بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: كَانَ النَّاس يحجون وهم مشركون فَكَانُوا يسمونهم حنفَاء الْحجَّاج فَنزلت {حنفَاء لله غير مُشْرِكين بِهِ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْقَاسِم مولى أبي بكر الصّديق قَالَ: كَانَ نَاس من مُضر وَغَيرهم يحجون الْبَيْت وهم مشركون وَكَانَ من لَا يحجّ الْبَيْت من الْمُشْركين يَقُولُونَ: قُولُوا حنفَاء
فَقَالَ الله {حنفَاء لله غير مُشْرِكين بِهِ} يَقُول: حجاجاً غير مُشْرِكين بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن من حنفَاء قَالَ: مُسلمين
وَمَا كَانَ حنفَاء مُسلمين فهم حجاج
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {حنفَاء} قَالَ: حجاجاً
(6/45)
وَأخرج عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {حنفَاء} قَالَ: متبعين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خرّ من السَّمَاء}
قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لمن أشرك بِاللَّه فِي بعده من الْهدى وهلاكه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فِي مَكَان سحيق} قَالَ: بعيد
(6/46)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
-
قَوْله تَعَالَى: ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب لكم فِيهَا مَنَافِع إِلَى أجل مُسَمّى ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق وَلكُل أمة جعلنَا منسكا لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام فإلهكم إِلَه وَاحِد فَلهُ أَسْلمُوا وَبشر المخبتين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله} قَالَ: الْبدن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله} قَالَ: الاستسمان وَالِاسْتِحْسَان والاستعظام
وَفِي قَوْله {لكم فِيهَا مَنَافِع إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: إِلَى أَن تسمى بدنا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله} قَالَ: استعظام الْبدن واستسمانها واستحسانها {لكم فِيهَا مَنَافِع إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: ظُهُورهَا وأوبارها واشعارها وأصوافها إِلَى أَن تسمى هَديا
فَإِذا سميت هَديا ذهبت الْمَنَافِع {ثمَّ محلهَا} يَقُول: حِين يُسمى إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك وَعَطَاء فِي الأية قَالَ: الْمَنَافِع فِيهَا الرّكُوب عَلَيْهَا إِذا احْتَاجَ وَفِي أوبارها
(6/46)
وَأَلْبَانهَا
وَالْأَجَل الْمُسَمّى: إِلَى أَن تقلد فَتَصِير بدناً {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} قَالَا: إِلَى يَوْم النَّحْر تنحر بمنى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} قَالَ: إِذا دخلت الْحرم فقد بلغت محلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن مُوسَى فِي قَوْله {ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله} قَالَ: الْوُقُوف بِعَرَفَة من شَعَائِر الله وبجمع من شَعَائِر الله وَالْبدن من شَعَائِر الله وَرمي الْجمار من شَعَائِر الله وَالْحلق من شَعَائِر الله
فَمن يعظمها {فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب لكم فِيهَا مَنَافِع إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: لكم فِي كل مشْعر مِنْهَا مَنَافِع إِلَى أَن تخْرجُوا مِنْهُ إِلَى غَيره {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} قَالَ: مَحل هَذِه الشعائر كلهَا الطّواف بِالْبَيْتِ الْعَتِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء أَنه سُئِلَ عَن شَعَائِر الله قَالَ: حرمات الله اجْتِنَاب سخط الله وَاتِّبَاع طَاعَته
فَذَلِك شَعَائِر الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلكُل أمة جعلنَا منسكاً} قَالَ: عيداً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلكُل أمة جعلنَا منسكاً} قَالَ: إهراق الدِّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَلكُل أمة جعلنَا منسكاً} قَالَ: ذبحا
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عمر: أَن رجلا أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت بعيد الْأَضْحَى جعله الله لهَذِهِ الْأمة
قَالَ الرجل: فَإِن لم نجد إِلَّا ذَبِيحَة أُنْثَى أَو شَاة أعليّ اذْبَحْهَا قَالَ: لَا وَلَكِن قلم أظفارك وقص شاربك واحلق عانتك فَذَلِك تَمام أضحيتك عِنْد الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: نزل جِبْرِيل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ رَأَيْت عيدنا فَقَالَ: لقد تباهى بِهِ أهل السَّمَاء
اعْلَم يَا مُحَمَّد أَن الْجذع من الضَّأْن خير من السَّيِّد من الْمعز وَإِن الْجذع من الضَّأْن خير من السَّيِّد من الْبَقر وَإِن الْجذع من الضَّأْن خير من السَّيِّد من الْمعز وَإِن الْجذع من الضَّأْن خير من السَّيِّد من الْبَقر وَإِن الْجذع من الضَّأْن خير من السَّيِّد من الْإِبِل
وَلَو علم الله خيرا مِنْهُ فدى بهَا إِبْرَاهِيم
(6/47)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم أَنه قَالَ: فِي هَذِه الْآيَة {وَلكُل أمة جعلنَا منسكاً} أَنه مَكَّة لم يَجْعَل الله لأمة قطّ منسكاً غَيرهَا
أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر بن عبد الله: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى للنَّاس يَوْم النَّحْر فَلَمَّا فرغ من خطبَته وَصلَاته دَعَا بكبش فذبحه هُوَ بِنَفسِهِ وَقَالَ: بِسم الله وَالله أكبر
اللَّهُمَّ هَذَا عني وَعَمن لم يضح من أمتِي
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن جَابر قَالَ: ضحى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكبشين فِي يَوْم عيد فَقَالَ حِين وجههما: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين
اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك وَعَن مُحَمَّد وَأمته
ثمَّ سمى الله وَكبر وَذبح
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَليّ أَنه قَالَ حِين ذبح: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين فَسمى وَكبر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ إِذا ذبح قَالَ: بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك اللَّهُمَّ تقبل مني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {فَلهُ أَسْلمُوا} يَقُول: فَلهُ أَخْلصُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَبشر المخبتين} قَالَ: المطمئنين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَضَب وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَمْرو بن أَوْس {وَبشر المخبتين} قَالَ: المخبتون الَّذين لَا يظْلمُونَ النَّاس وَإِذا ظلمُوا لم ينتصروا
(6/48)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَبشر المخبتين} قَالَ: المتواضعين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَبشر المخبتين} قَالَ: الوجلين
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ إِذا رأى الرّبيع بن خثيم قَالَ: {وَبشر المخبتين} وَقَالَ لَهُ: مَا رَأَيْتُك إِلَّا ذكرت المخبتين
(6/49)
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
-
قَوْله تَعَالَى: الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم وَالصَّابِرِينَ على مَا أَصَابَهُم والمقيمي الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ وَالْبدن جعلناها لكم من شَعَائِر الله لكم فِيهَا خير فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صواف فَإِذا وَجَبت جنوبها فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا القانع والمعتر كَذَلِك سخرناها لكم لَعَلَّكُمْ تشكرون لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم كَذَلِك سخرها لكم لتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ وَبشر الْمُحْسِنِينَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} عِنْد مَا يخوفون {وَالصَّابِرِينَ على مَا أَصَابَهُم} من الْبلَاء والمصيبات {والمقيمي الصَّلَاة} يَعْنِي إِقَامَتهَا بأَدَاء مَا استحفظهم الله فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَالْبدن} خَفِيفَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا نعلم الْبدن إِلَّا من الْإِبِل وَالْبَقر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْبَدنَة ذَات الْخُف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْبَدنَة ذَات الْبدن من الْإِبِل وَالْبَقر
(6/49)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ الْبدن إِلَّا من الإِبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الْكَرِيم قَالَ: اخْتلف عَطاء وَالْحكم فَقَالَ عَطاء الْبدن من الْإِبِل وَالْبَقر
وَقَالَ الحكم: من الإِبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: الْبدن الْبَعِير وَالْبَقَرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْبدن من الْبَقر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن يَعْقُوب الريَاحي عَن أَبِيه قَالَ أوصى الي رجل وَأوصى ببدنة فَأتيت ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَقلت لَهُ: إِن رجلا أوصى إِلَيّ وَأوصى إِلَيّ ببدنة فَهَل تجزىء عني بقرة قَالَ: نعم
ثمَّ قَالَ: مِمَّن صَاحبكُم فَقلت: من بني ريَاح
قَالَ: وَمَتى تقتني
اقتنى بَنو ريَاح الْبَقر إِلَى الْإِبِل [] وَهُوَ صَاحبكُم وَإِنَّمَا الْبَقر للأسد وَعبد الْقَيْس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سميت الْبدن من قبل السمانة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله {لكم فِيهَا خير} قَالَ: هِيَ الْبَدنَة
ان احْتَاجَ إِلَى ظهر ركب أَو إِلَى لبن شرب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لكم فِيهَا خير} قَالَ: لكم أجر وَمَنَافع للبدن
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قُلْنَا يارسول الله مَا هَذِه الضاحي قَالَ: سنة أبيكم إِبْرَاهِيم قَالَ: فَمَا لنا فِيهَا يَا رَسُول الله قَالَ: بِكُل شَعْرَة حَسَنَة قَالُوا: فالصوف قَالَ: بِكُل شَعْرَة من الصُّوف حَسَنَة
وَأخرج ابْن عدي وَالدَّارقطني وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أنفقت الْوَرق فِي شَيْء أفضل من نحيرة فِي يَوْم عيد
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة - رَضِي الله
(6/50)
عَنْهَا - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا عمل ابْن آدم يَوْم النَّحْر عملا أحب إِلَى الله من هراقه دم وَإِنَّهَا لتأتي يَوْم الْقِيَامَة بقرونها واظلافها وَأَشْعَارهَا وَإِن الدَّم ليَقَع من الله بمَكَان قبل أَن يَقع على الأَرْض فطيبوا بهَا نفسا
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أَب هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وجد سَعَة لَان يصحي فَلم يضح فَلَا يقربن مصلانا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن أنس قَالَ: حج سعيد بن الْمسيب وَحج مَعَه ابْن حَرْمَلَة فَاشْترى سعيد كَبْشًا فضحى بِهِ وَاشْترى ابْن حَرْمَلَة بَدَنَة بِسِتَّة دَنَانِير فنحرها
فَقَالَ لَهُ سعيد: اما كَانَ لَك فِينَا أُسْوَة فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت الله يَقُول: {وَالْبدن جعلناها لكم من شَعَائِر الله لكم فِيهَا خير} فاحببت أَن آخذ الْخَيْر من حَيْثُ دلَّنِي الله عَلَيْهِ فاعجب ذَلِك ابْن الْمسيب مِنْهُ وَجعل يحدث بهَا عَنهُ
وَأخرج أَبُو نعيم الْحِلْية عَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ: حج صَفْوَان بن سليم وَمَعَهُ سَبْعَة دَنَانِير فَاشْترى بهَا بَدَنَة فَقيل لَهُ: لَيْسَ مَعَك إِلَّا سَبْعَة دَنَانِير تشتري بهَا بَدَنَة فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت الله يَقُول: {لكم فِيهَا خير}
وَأخرج قَاسم بن أصبغ وَابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: يَا أَيهَا النَّاس ضحوا وطيبوا بهَا نفسا فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من عبد يُوَجه بأضحيته إِلَى الْقبْلَة إِلَّا كَانَ دَمهَا وقرنها وصوفها حَسَنَات محضرات فِي مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة فَإِن الدَّم إِن وَقع فِي التُّرَاب فَإِنَّمَا يَقع فِي حرز الله حَتَّى يُوفيه صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - اعْمَلُوا قَلِيلا تجزوا كثيرا
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الأشد السملي عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أفضل الضَّحَايَا أغلاها وأسمنها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: مَا أنْفق النَّاس من نَفَقَة أعظم أجرا من دم يهراق يَوْم النَّحْر إِلَّا رحما محتاجة يصلها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لكم فِيهَا خير} قَالَ: إِن احْتَاجَ إِلَى اللَّبن شرب وَإِن احْتَاجَ إِلَى الرّكُوب ركب وَإِن احْتَاجَ إِلَى الصُّوف أَخذ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ رجل لِابْنِ عَبَّاس أيركب الرجل الْبَدنَة على غير مثقل قَالَ: ويحلبها على غير مجهد
(6/51)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يركب الرجل بدنته بِالْمَعْرُوفِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اركبوا الْهَدْي بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى تَجدوا ظهرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَطاء رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - رخص لَهُم أَن يركبوها إِذا احتاجوا إِلَيْهَا
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يَسُوق بَدَنَة فَقَالَ: اركبها قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَة
قَالَ: اركبها وَيلك أَو يحك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - رأى رجلا يَسُوق بَدَنَة أَو هَدِيَّة فَقَالَ: اركبها فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَة - أَو هَدِيَّة
قَالَ: وَإِن كَانَت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي ظبْيَان قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله {فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صواف} قَالَ: إِذا أردْت أَن تنحر الْبَدنَة فاقمها على ثَلَاث قَوَائِم معقولة ثمَّ قل: بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {صواف} قَالَ: قيَاما معقولة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر: أَنه نحر بَدَنَة وَهِي قَائِمَة معقولة إِحْدَى يَديهَا
وَقَالَ: {صواف} كَمَا قَالَ الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رجلا أَنَاخَ بدنته وَهُوَ يَنْحَرهَا فَقَالَ: ابعثها قيام مُقَيّد سنة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه كَانُوا يعْقلُونَ من الْبَدنَة الْيُسْرَى وينحروها قَائِمَة على مَا هِيَ من قَوَائِمهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يَنْحَرهَا وَهِي معقولة يَدهَا الْيُمْنَى
(6/52)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي الدنة كَيفَ تنحر قَالَ: تعقل يَدهَا الْيُسْرَى وينحرها من قبل يَدهَا الْيُمْنَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يعقل يَدهَا الْيُسْرَى إِذا أَرَادَ أَن يَنْحَرهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: اعقل أَي الْيَدَيْنِ شِئْت
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَنه كَانَ يقْرَأ (فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صَوَافِن)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن مُجَاهِد فِي قَوْله (صَوَافِن) قَالَ: معقولة على ثَلَاثَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ عبد الله بن مَسْعُود يقْرَأ (فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صَوَافِن) أَي معقولة قيَاما
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ: أَنه كَانَ يقرأُها (صَوَافِن) قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر ينْحَر بدنته وَهِي على ثَلَاثَة قَوَائِم قيَاما معقولة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: من قَرَأَهَا (صَوَافِن) قَالَ: معقولة
وَمن قَرَأَهَا {صواف} قَالَ: يصف بَين يَديهَا
وَلَفظ عبد بن حميد من قَرَأَهَا {صواف} فَهِيَ قَائِمَة مَضْمُومَة يَديهَا
وَمن قَرَأَهَا (صَوَافِن) قيَاما معقولة وَلَفظ ابْن أبي شيبَة الصَّواف على أَربع والصوافن على ثَلَاثَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه كَانَ يَقْرَأها {صواف} قَالَ: خاصلة
لله تَعَالَى قَالَ: كَانُوا يذبحونها لأصنامهم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم أَنه قَرَأَ (فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صوافي) بِالْيَاءِ منتصبة
وَقَالَ: خَالِصَة لله من الشّرك لأَنهم كَانُوا يشركُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا نحروها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَإِذا وَجَبت} قَالَ: سَقَطت على جنبها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَإِذا وَجَبت} قَالَ نحرت
(6/53)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فَإِذا وَجَبت جنوبها} قَالَ: إِذا سَقَطت إِلَى الأَرْض
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله ابْن قرط قَالَ: قدم إِلَى النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بدنات خمس أَو سِتّ فطفقن يزدلفن إِلَيْهِ بأيتهن يبْدَأ فَلَمَّا وَجَبت جنوبها قَالَ: من شَاءَ اقتطع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه: كَانَ يطعم من بدنه قبل أَن يَأْكُل مِنْهَا وَيَقُول: {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا} هما سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا لَا يَأْكُلُون من شَيْء جَعَلُوهُ لله ثمَّ رخص لَهُم أَن يَأْكُلُوا من الْهَدْي وَالْأَضَاحِي وأشباهه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ قَالَ: لَا يُؤْكَل من النّذر وَلَا من جَزَاء الصَّيْد وَلَا مِمَّا جعل للْمَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لَا يُؤْكَل من النّذر وَلَا من الْكَفَّارَة وَلَا مِمَّا جعل للْمَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن معَاذ قَالَ: أمرنَا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نطعم من الضَّحَايَا الْجَار والسائل والمتعفف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ بمنى فَتلا هَذِه الْآيَة {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا القانع والمعتر} وَقَالَ: لغلام مَعَه هَذِه القانع الَّذِي يقنع بِمَا آتيته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القانع الْمُتَعَفِّف والمعتر السَّائِل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس القانع الَّذِي يقنع بِمَا أُوتِيَ والمعتر الَّذِي يعْتَرض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القانع الَّذِي يجلس فِي بَيته
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس: إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {القانع والمعتر} قَالَ: القانع الَّذِي يقنع بِمَا عطي والمعتر الَّذِي يعتر من الْأَبْوَاب
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: على مكثريهم حق من يعتريهم وَعند المقلين السماحة والبذل وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن
(6/54)
هَذِه الْآيَة قَالَ: أما القانع فالقانع بِمَا أرْسلت إِلَيْهِ فِي بَيته
والمعتر الَّذِي يعتريك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القانع الَّذِي يسْأَل والمعتر الَّذِي يعْتَرض لَوْلَا يسْأَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: القانع السَّائِل الَّذِي يسْأَل ثمَّ أنْشد قَول الشَّاعِر: لمَال الْمَرْء يصلحه فَيبقى معاقره أعف من القنوع وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: القانع الَّذِي يقنع اليك بِمَا فِي يَديك والمعتر الَّذِي يتَصَدَّى إِلَيْك لتطعمه
وَلَفظ ابْن أبي شيبَة والمعتر الَّذِي يعتريك ويريك نَفسه وَلَا يَسْأَلك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: القانع الطامع بِمَا قبلك وَلَا يَسْأَلك والمعتر الَّذِي يعتريك وَلَا يَسْأَلك
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: القانع الَّذِي يسْأَل فَيعْطى فِي يَدَيْهِ والمعتر الَّذِي يعتر فيطوف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: القانع أهل مَكَّة
والمعتر سَائِر النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: القانع السَّائِل والمعتر معتر الْبدن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: البائس الَّذِي يسْأَل بِيَدِهِ إِذا سَأَلَ والقانع الطامع الَّذِي يطْمع فِي ذبيحتك من جيرانك
والمعتر الَّذِي يعتريك بِنَفسِهِ وَلَا يَسْأَلك يتَعَرَّض لَك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة مَا الَّذِي آكل وَمَا الَّذِي أعطي القانع والمعتر قَالَ: اقسمها ثَلَاثَة أَجزَاء
قيل: مَا القانع قَالَ: من كَانَ حولك
قيل: وَإِن ذبح قَالَ: وَإِن ذبح
والمعتر: الَّذِي يَأْتِيك ويسألك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ إِذا ذَبَحُوا
(6/55)
استقبلوا الْكَعْبَة بالدماء فينضحون بهَا نَحْو الْكَعْبَة
فَأَرَادَ الْمُسلمُونَ أَن يَفْعَلُوا ذَلِك فَأنْزل الله {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة ينضحون الْبَيْت بلحوم الْإِبِل ودمائها
فَقَالَ: أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنحْن أَحَق أَن ننضح
فَأنْزل الله {لن ينَال الله لحومها}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: النصب لَيست بأصنام الصَّنَم يصوّر وينقش وَهَذِه حِجَارَة تنصب ثلثمِائة وَسِتُّونَ حجرا فَكَانُوا إِذا ذَبَحُوا نضحوا الدَّم على مَا أقبل من الْبَيْت وشرحوا اللَّحْم وجعلوه على الْحِجَارَة
فَقَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يعظمون الْبَيْت بِالدَّمِ فَنحْن أَحَق أَن نعظمه
فَكَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يكره مَا قَالُوا
فَنزلت {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان {لن ينَال الله} قَالَ: لن يرفع إِلَى الله {لحومها وَلَا دماؤها وَلَكِن} نحر الْبدن من تقوى الله وطاعته
يَقُول: يرفع إِلَى الله مِنْكُم: الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَالتَّقوى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم {وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم} قَالَ: مَا التمس بِهِ وَجه الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم} يَقُول: إِن كَانَت من طيب وكنتم طيبين وصل إِلَيّ أَعمالكُم وتقبلتها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} قَالَ: على ذَبحهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّام
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحسن قَالَ: أمرنَا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نلبس أَجود مَا نجد وَأَن نتطيب بأجود مَا نجد وَأَن نضحي بأسمن مَا نجد وَالْبَقَرَة عَن سَبْعَة وَالْجَزُور عَن سَبْعَة وَأَن نظهر التَّكْبِير وعلينا السكينَة وَالْوَقار وَالله أعلم
(6/56)
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
-
قَوْله تَعَالَى: إِن الله يدافع عَن الَّذين آمنُوا إِن الله لَا يحب كل خوان كفور
أخرج عبد بن حميد عز عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِن الله يدافع} بِالْألف وَرفع الْيَاء
(6/56)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله يدافع عَن الَّذين آمنُوا} قَالَ: وَالله مَا يضيع الله رجلا قطّ حفظ لَهُ دينه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله: إِن الله لَا يحب
قَالَ: لَا يقرب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن كفور يَعْنِي بِهِ الْكفَّار
(6/57)
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
=============

الحج - تفسير الدر المنثور
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
-
قَوْله تَعَالَى: أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا وَإِن الله على نَصرهم لقدير
أخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما خرج النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - من مَكَّة قَالَ أَبُو بكر: أخرجُوا نَبِيّهم إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ليهلكن الْقَوْم فَنزلت {أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} الْآيَة
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقْرَأها {أذن} قَالَ أَبُو بكر: فَعمِلت أَنه سَيكون قتال
قَالَ ابْن عَبَّاس: وَهِي أول آيَة نزلت فِي الْقِتَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد قَالَ: خرج نَاس مُؤمنُونَ مُهَاجِرين من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فاتبعهم كفار قُرَيْش فَأذن لَهُم فِي قِتَالهمْ فَأنْزل الله {أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} الْآيَة
فقاتلوهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة بن الزبير أَن أول آيَة أنزلت فِي الْقِتَال حِين ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ بِمَكَّة وسطت بهم عَشَائِرهمْ ليفتنوهم عَن الْإِسْلَام وأخرجوهم من دِيَارهمْ وتظاهروا عَلَيْهِم فَأنْزل الله {أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} الْآيَة
وَذَلِكَ حِين أذن الله لرَسُوله بِالْخرُوجِ وَأذن لَهُم بِالْقِتَالِ
(6/57)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَت أول آيَة نزلت فِي الْقِتَال {أذن للَّذين يُقَاتلُون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {أذن للَّذين يُقَاتلُون} قَالَ: أذن لَهُم فِي قِتَالهمْ بَعْدَمَا عفى عَنْهُم عشر سِنِين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {أذن للَّذين يُقَاتلُون} قَالَ النَّبِي: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه {بِأَنَّهُم ظلمُوا} يَعْنِي ظلمهم أهل مَكَّة حِين أخرجوهم من دِيَارهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: أشرف عَلَيْهِم عُثْمَان من الْقصر فَقَالَ: ائْتُونِي بِرَجُل قارىء كتاب الله فَأتوهُ بصعصعة بن صوحان فَتكلم بِكَلَام فَقَالَ: {أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا وَإِن الله على نَصرهم لقدير} فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: كذبت لَيست لَك وَلَا لأصحابك وَلكنهَا لي ولأصحابي
(6/58)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
-
قَوْله تَعَالَى: الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ بِغَيْر حق إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبنَا الله وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لهدمت صوامع وَبيع وصلوات ومساجد يذكر فِيهَا اسْم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إِن الله لقوي عَزِيز الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونهوا عَن الْمُنكر وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور وَإِن يُكذِّبُوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وَعَاد وَثَمُود وَقوم إِبْرَاهِيم وَقوم لوط وَأَصْحَاب مَدين وَكذب مُوسَى فأمليت للْكَافِرِينَ ثمَّ أخذتهم فَكيف كَانَ نَكِير
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ} أَي من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {بِغَيْر حق} يَعْنِي مُحَمَّدًا - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه
(6/58)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ: فِينَا نزلت هَذِه الْآيَة {الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ بِغَيْر حق} وَالْآيَة بعْدهَا أخرجنَا من دِيَارنَا {بِغَيْر حق} ثمَّ مكنا فِي الأَرْض فَأَقَمْنَا الصَّلَاة وآتينا الزَّكَاة وأمرنا بِالْمَعْرُوفِ ونهينا عَن الْمُنكر فَهِيَ لي ولأصحابي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ثَابت بن عَوْسَجَة الخضيري قَالَ: حَدثنِي سَبْعَة وَعِشْرُونَ من أَصْحَاب عَليّ وَعبد الله مِنْهُم لَاحق بن الْأَقْمَر والعيزار بن جَرْوَل وعطية الْقرظِيّ أَن عليا قَالَ: إِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب مُحَمَّد {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس} قَالَ: لَوْلَا دفع الله بأصحاب مُحَمَّد عَن التَّابِعين لهدمت صوامع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس} بِغَيْر الْألف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس}
قَالَ: لَوْلَا الْقِتَال وَالْجهَاد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة
قَالَ: دفع الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: منع بَعضهم بِبَعْض فِي الشَّهَادَة وَفِي الْحق وَفِيمَا يكون مثل هَذَا يَقُول: لَوْلَا هَذَا لهلكت هَذِه الصوامع وَمَا ذكر مَعهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لهدّمت صوامع}
قَالَ: الصوامع الَّتِي تكون فِيهَا الرهبان وَالْبيع مَسَاجِد الْيَهُود وصلوات كنائس النَّصَارَى والمساجد مَسَاجِد الْمُسلمين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: البيع بيع النَّصَارَى وصلوات كنائس الْيَهُود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: صلوَات كنائس الْيَهُود يسمون الْكَنِيسَة صَلَاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم الجحدري أَنه قَرَأَ {وصلوات} قَالَ: الصَّلَوَات دون الصوامع
قَالَ: وَكَيف تهدم الصَّلَاة وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: البيع بيع النَّصَارَى والصلوات: بيع صغَار لِلنَّصَارَى
(6/59)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ: صوامع الرهبان وَبيع النَّصَارَى وصلوات مَسَاجِد الصابئين: يسمونها بصلوات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {صوامع} قَالَ: هِيَ للصابئين وَبيع لِلنَّصَارَى وصلوات كنائس الْيَهُود ومساجد للْمُسلمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة
قَالَ: الصوامع صوامع الرهبان وَبيع كنائس وصلوات ومساجد لأهل الْكتاب وَلأَهل الْإِسْلَام بالطرق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: وصلوات أهل الْإِسْلَام تَنْقَطِع إِذا دخل عَلَيْهِم الْعَدو
تَنْقَطِع الْعِبَادَة من الْمَسَاجِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {يذكر فِيهَا اسْم الله كثيرا} يَعْنِي فِي كل مِمَّا ذكر من الصوامع
والصلوات والمساجد يَقُول: فِي كل هَذَا يذكر اسْم الله وَلم يخص الْمَسَاجِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض} قَالَ: أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض} قَالَ: هم الْوُلَاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله: {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض} قَالَ: أَرض الْمَدِينَة {أَقَامُوا الصَّلَاة} قَالَ: الْمَكْتُوبَة
{
وَآتوا الزَّكَاة} قَالَ: الْمَفْرُوضَة {وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ} بِلَا إِلَه إِلَّا الله {ونهوا عَن الْمُنكر} قَالَ: الشّرك بِاللَّه {وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور} قَالَ: وَعند الله ثَوَاب مَا صَنَعُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة
قَالَ: كَانَ أَمرهم بِالْمَعْرُوفِ أَنهم دعوا إِلَى الله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ وَكَانَ نهيهم أَنهم نهوا عَن عبَادَة الشَّيْطَان
وَعبادَة الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض} قَالَ: هَذَا شَرط الله على هَذِه الْأمة وَالله أعلم
(6/60)
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
-
قَوْله تَعَالَى: فكأين من قَرْيَة أهلكناها وَهِي ظالمه فَهِيَ خاوية على عروشها وبئر معطلة وَقصر مشيد
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَهِيَ خاوية على عروشها} قَالَ: خربة لَيْسَ فها أحد {وبئر معطلة} قَالَ: عطلها أَهلهَا وتركوها {وَقصر مشيد} قَالَ شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركوه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وبئر معطلة} قَالَ: الَّتِي تركت لَا أهل لَهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَقصر مشيد} قَالَ: هُوَ المجصص
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {وَقصر مشيد} قَالَ: شيد بالجص والآجر
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عدي بن زيد وَهُوَ يَقُول: شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير فِي ذراه وكور وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَقصر مشيد} قَالَ: بالقصة
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق عَن عَطاء {وَقصر مشيد} قَالَ: مجصص
(6/61)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
-
قَوْله تَعَالَى: أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا أوآذان يسمعُونَ بهَا فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التفكر عَن ابْن دِينَار قَالَ: أوحى الله إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَن اتخذ نَعْلَيْنِ من حَدِيد وعصا ثمَّ سح فِي الأَرْض فاطلب الْآثَار والعبر حَتَّى تحفوا النَّعْلَانِ وتنكسر الْعَصَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار} قَالَ: مَا هَذِه الْأَبْصَار الَّتِي فِي الرؤوس فَإِنَّهَا جعلهَا الله مَنْفَعَة وبلغة وَأما الْبَصَر النافع فَهُوَ فِي الْقلب
ذكر لنا أَنَّهَا نزلت فِي عبد الله بن زَائِدَة يَعْنِي ابْن أم مَكْتُوم
(6/61)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة فِي شعب الإِيمان والديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن عبد الله بن جَراد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْسَ الْأَعْمَى من يعمى بَصَره وَلَكِن الْأَعْمَى من تعمى بصيرته
(6/62)
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
===================

الحج - تفسير الدر المنثور
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)
-
قَوْله تَعَالَى: ويستعجلونك بِالْعَذَابِ وَلنْ يخلف الله وعده وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ وكأين من قَرْيَة أمليت لَهَا وَهِي ظالمه ثمَّ أَخَذتهَا وإلي الْمصير
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ} قَالَ: قَالَ نَاس من جهلة هَذِه الْأمة {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} قَالَ: من الْأَيَّام السِّتَّة الَّتِي خلق الله فِيهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: مَا طول ذَلِك الْيَوْم على الْمُؤمن إِلَّا كَمَا بَين الأولى وَالْعصر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الدُّنْيَا جُمُعَة من جمع الْآخِرَة سَبْعَة آلَاف سنة فقد مضى مِنْهَا سِتَّة آلَاف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الأمل عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا جُمُعَة من جمع الْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن رجل من أهل الْكتاب أسلم قَالَ: {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام} {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} وَجعل أجل الدُّنْيَا سِتَّة أَيَّام وَجعل
(6/62)
السَّاعَة فِي الْيَوْم السَّابِع فقد مَضَت السِّتَّة الْأَيَّام وَأَنْتُم فِي الْيَوْم السَّابِع فَمثل ذَلِك مثل الْحَامِل إِذا دخلت فِي شهرها فَفِي أَيَّة سَاعَة ولدت كَانَ تَمامًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن صَفْوَان بن سلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فُقَرَاء الْمُسلمين يدْخلُونَ الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء من الْمُسلمين بِنصْف يَوْم
قيل: وَمَا نصف الْيَوْم قَالَ خَمْسمِائَة عَام وتلا {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ضمير بن نَهَار قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة يدْخل فُقَرَاء الْمُسلمين الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء بِنصْف يَوْم
قلت: وَمَا مِقْدَار نصف يَوْم قَالَ: أَو مَا تقْرَأ الْقُرْآن {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ}
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ضمير بن نَهَار عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يدْخل فُقَرَاء أمتِي الْجنَّة قبل أغنيائهم بِنصْف يَوْم وتلا {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من صلى على جَنَازَة فَانْصَرف قبل أَن يفرغ مِنْهَا كَانَ لَهُ قِيرَاط فَإِن انْتظر حَتَّى يفرغ مِنْهَا كَانَ لَهُ قيراطان والقيراط مثل أحد فِي مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ قَالَ ابْن عَبَّاس: حق لِعَظَمَة رَبنَا أَن يكون قيراطه مثل أحد ويومه كألف سنة
وَأخرج ابْن عدي والديلمي عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الدُّنْيَا كلهَا سَبْعَة أَيَّام من أَيَّام الْآخِرَة وَذَلِكَ قَول الله {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ}
(6/63)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
-
قَوْله تَعَالَى: قل ياأيها النَّاس إِنَّمَا أَنا لكم نَذِير مُبين فَالَّذِينَ آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم مغْفرَة ورزق كريم وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم
أخرج بن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: إِذا سَمِعت الله يَقُول {ورزق كريم} فَهِيَ الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ {معاجزين} فِي كل الْقُرْآن يَعْنِي بِأَلف وَقَالَ: مشاقين
(6/63)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {معاجزين} قَالَ مراغمين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن الزبير أَنه كَانَ يقْرَأ (وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معجزين) يَعْنِي مثبطين
وَأخرج بن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة بن الزبير: أَنه كَانَ يعجب من الَّذين يقرأُون هَذِه الْآيَة {وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين} قَالَ: لَيْسَ معاجزين من كَلَام الْعَرَب إِنَّمَا هِيَ (معجزين) يَعْنِي مثبطين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فِي آيَاتنَا معاجزين} قَالَ: مبطئين يبطئون النَّاس عَن اتِّبَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين} قَالَ: كذبُوا بآيَات الله وظنوا أَنهم يعجزون الله وَلنْ يعجزوه
(6/64)
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
====================

الحج - تفسير الدر المنثور
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)
-
قَوْله تَعَالَى: وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته فَينْسَخ الله مَا يلقِي الشَّيْطَان ثمَّ يحكم الله آيَاته وَالله عليم حَكِيم ليجعل مَا يلقِي الشَّيْطَان فتْنَة للَّذين فِي قُلُوبهم مرض والقاسية قُلُوبهم وَإِن الظَّالِمين لفي شقَاق بعيد وليعلم الَّذين أُوتُوا الْعلم أَنه الْحق من رَبك فيؤمنوا بِهِ فتخيت لَهُ قُلُوبهم وَإِن الله لهاد الَّذين آمنُوا إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا فِي مرية مِنْهُ حَتَّى تأتيهم السَّاعَة بَغْتَة أَو يَأْتِيهم عَذَاب يَوْم عقيم الْملك يَوْمئِذٍ لله يحكم بَينهم فَالَّذِينَ آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فِي جنَّات النَّعيم وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِك لَهُم عَذَاب مهين
(6/64)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ يقْرَأ (وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي وَلَا مُحدث)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: إِن فِيمَا أنزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي} وَلَا مُحدث فنسخت مُحدث والمحدثون: صَاحب يس ولقمان وَهُوَ من آل فِرْعَوْن وَصَاحب مُوسَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: النَّبِي وَحده الَّذِي يكلم وَينزل عَلَيْهِ وَلَا يُرْسل
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق السّديّ عَن أبي صَالح قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ الْمُشْركُونَ: ان ذكر آلِهَتنَا بِخَير ذكرنَا آلِهَته بِخَير ف {ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} النَّجْم آيَة 19 إنَّهُنَّ لفي الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
قَالَ: فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته}
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن أمْنِيته أَن يسلم قومه
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة بِسَنَد رِجَاله ثِقَات من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى ففرح الْمُشْركُونَ بذلك وَقَالُوا: قد ذكر آلِهَتنَا فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: اقْرَأ عليَّ مَا جئْتُك بِهِ فَقَرَأَ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
فَقَالَ: مَا أَتَيْتُك بِهَذَا هَذَا من الشَّيْطَان
فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة النَّجْم فَلَمَّا بلغ هَذَا الْموضع {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
قَالُوا: مَا ذكر آلِهَتنَا بِخَير قبل الْيَوْم فَسجدَ وسجدوا
(6/65)
ثمَّ جَاءَهُ جِبْرِيل بعد ذَلِك قَالَ: اعْرِض عليَّ مَا جئْتُك بِهِ
فَلَمَّا بلغ: تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
قَالَ لَهُ جِبْرِيل: لم آتِك بِهَذَا هَذَا من الشَّيْطَان فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذْ نزلت عَلَيْهِ قصَّة آلِهَة الْعَرَب فَجعل يتلوها فَسَمعهُ الْمُشْركُونَ فَقَالُوا: إِنَّا نَسْمَعهُ يذكر آلِهَتنَا بِخَير فدنوا مِنْهُ فَبَيْنَمَا هُوَ يتلوها وَهُوَ يَقُول: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} ألْقى الشَّيْطَان: إِن تِلْكَ الغرانيق العلى مِنْهَا الشَّفَاعَة ترتجى
فعلق يتلوها فَنزل جِبْرِيل فنسخها ثمَّ قَالَ: {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي} إِلَى قَوْله {حَكِيم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَمن طَرِيق أبي بكر الْهُذلِيّ وَأَيوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَمن طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَمَّن حَدثهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ سُورَة النَّجْم وَهُوَ بِمَكَّة فَأتى على هَذِه الْآيَة {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} فَألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه: إنَّهُنَّ الغرانيق العلى
فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق يُونُس عَن ابْن شهَاب حَدثنِي أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة قَرَأَ سُورَة النَّجْم فَلَمَّا بلغ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} قَالَ: إِن شفاعتهن ترتجى وسها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ففرح الْمُشْركُونَ بذلك فَقَالَ: إِلَّا إِنَّمَا كَانَ ذَلِك من الشَّيْطَان فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} حَتَّى بلغ {عَذَاب يَوْم عقيم} مُرْسل صَحِيح الْإِسْنَاد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب قَالَ: لما أنزلت سُورَة النَّجْم وَكَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ: لَو كَانَ هَذَا الرجل يذكر آلِهَتنَا بِخَير أقرنناه وَأَصْحَابه وَلَكِن لَا يذكر من خَالف دينه من الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِمثل الَّذِي يذكر آلِهَتنَا من الشتم وَالشَّر
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اشْتَدَّ عَلَيْهِ مَا ناله وَأَصْحَابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنته ضلالتهم فَكَانَ يتَمَنَّى كف أذاهم فَلَمَّا أنزل الله سُورَة النَّجْم قَالَ: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} القى الشَّيْطَان
(6/66)
عِنْدهَا كَلِمَات حِين ذكر الطواغيت فَقَالَ: وانهن لَهُنَّ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لهي الَّتِي ترتجى
فَكَانَ ذَلِك من سجع الشَّيْطَان وفتنه فَوَقَعت هَاتَانِ الكلمتان فِي قلب مُشْرك بِمَكَّة وذلقت بهَا ألسنتهم وتباشروا بهَا وَقَالُوا: ان مُحَمَّد قد رَجَعَ إِلَى دينه الأوّل وَدين قومه
فَلَمَّا بلغ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - آخر النَّجْم سجد وَسجد كل من حضر من مُسلم ومشرك ففشت تِلْكَ الْكَلِمَة فِي النَّاس وأظهرها الشَّيْطَان حَتَّى بلغت أَرض الْحَبَشَة
فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي}
فَلَمَّا بيَّن الله قَضَاءَهُ وبرأه من سجع الشَّيْطَان انْقَلب الْمُشْركُونَ بضلالتهم وعداوتهم للْمُسلمين واشتدوا عَلَيْهِ
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُوسَى بن عقبَة وَلم يذكر ابْن شهَاب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عُرْوَة مثله سَوَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَمُحَمّد بن قيس قَالَا: جلس رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي نَاد من أندية قُرَيْش كثير أَهله فتمنى يَوْمئِذٍ أَن لَا يَأْتِيهِ من الله شَيْء فَيَتَفَرَّقُونَ عَنهُ
فَأنْزل الله عَلَيْهِ (والنجم اذا هوى) (النَّجْم آيَة 1) فقرأها رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى بلغ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} النَّجْم آيَة 19
ألْقى الشَّيْطَان كَلِمَتَيْنِ: تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
فَتكلم بهَا ثمَّ مضى فَقَرَأَ السُّورَة كلهَا ثمَّ سجد فِي آخر السُّورَة وَسجد الْقَوْم جَمِيعًا مَعَه وَرَضوا بِمَا تكلم بِهِ فَلَمَّا أَمْسَى أَتَاهُ جِبْرِيل فَعرض عَلَيْهِ السُّورَة فَلَمَّا بلغ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ألْقى الشَّيْطَان عَلَيْهِ قَالَ: مَا جئْتُك بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ
فَقَالَ رَسُول الله: - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - افتريت على الله وَقلت مَا لم يقل
فَأوحى الله إِلَيْهِ {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} إِلَى قَوْله (نَصِيرًا) (الْإِسْرَاء آيَة 73 - 75) فَمَا زَالَ مغموماً مهموماً من شَأْن الْكَلِمَتَيْنِ حَتَّى نزلت {وَمَا أرسلنَا من قبلك}
فَسرِّي عَنهُ وَطَابَتْ نَفسه
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ بِمَكَّة أنزل عَلَيْهِ فِي آلِهَة الْعَرَب فَجعل يَتْلُو اللات والعزى وَيكثر ترديدها فَسَمعهُ أهل مَكَّة وَهُوَ يذكر آلِهَتهم فَفَرِحُوا بذلك ودنوا يسمعُونَ فَألْقى الشَّيْطَان فِي تِلَاوَته: تِلْكَ الغرانيق
(6/67)
العلى مِنْهَا الشَّفَاعَة ترتجى فقرأها النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَذَلِك فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك} إِلَى قَوْله {حَكِيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ لرَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَو ذكرت آلِهَتنَا فِي قَوْلك قعدنا مَعَك فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَك إِلَّا أراذل النَّاس وضعفاؤهم فَكَانُوا إِذا رأونا عنْدك تحدث النَّاس بذلك فأتوك
فَقَامَ يُصَلِّي فَقَرَأَ {والنجم} حَتَّى بلغ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} تِلْكَ الغرانيق العلى وَشَفَاعَتهنَّ ترتجى ومثلهن لَا ينسى فَلَمَّا فرغ من ختم السُّورَة سجد وَسجد الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ
فَبلغ الْحَبَشَة: ان النَّاس قد أَسْلمُوا فشق ذَلِك على النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك} إِلَى قَوْله {عَذَاب يَوْم عقيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: نزلت سُورَة النَّجْم بِمَكَّة فَقَالَت قُرَيْش: يَا مُحَمَّد إِنَّه يجالسك الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين ويأتيك النَّاس من أقطار الأَرْض فَإِن ذكرت آلِهَتنَا بِخَير جالسناك فَقَرَأَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُورَة {النَّجْم} فَلَمَّا أَتَى على هَذِه الْآيَة {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} النَّجْم آيَة 19 ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه: وَهِي الغرانيق العلى شفاعتهن ترتجى
فَلَمَّا فرغ من السُّورَة سجد وَسجد الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ إِلَّا أَبَا احيحة [] سعيد بن الْعَاصِ فَإِنَّهُ أَخذ كفا من تُرَاب فَسجدَ عَلَيْهَا وَقَالَ: قد آن لِابْنِ أبي كَبْشَة أَن يذكر آلِهَتنَا بِخَير فَبلغ ذَلِك الْمُسلمين الَّذين كَانُوا بِالْحَبَشَةِ: أَن قُريْشًا قد أسلمت فأرادوا أَن يقبلُوا وَاشْتَدَّ على رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وعَلى أَصْحَابه مَا ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي عِنْد الْمقَام إِذْ نعس فَألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه كلمة فَتكلم بهَا وَتعلق بهَا الْمُشْركُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} فَألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه ونعس وَإِن شفاعتهم لترتجى وَإِنَّهَا لمع الغرانيق العلى فحفظها الْمُشْركُونَ وَأخْبرهمْ الشَّيْطَان: أَن نَبِي الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد قَرَأَهَا فذلت بهَا ألسنتهم فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي}
فدحر الله الشَّيْطَان ولقن نبيه حجَّته
(6/68)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد: أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ النَّجْم فَألْقى الشَّيْطَان على فِيهِ أحكم آيَاته
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَات يَوْم {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى ألكم الذّكر وَله الْأُنْثَى تِلْكَ إِذا قسْمَة ضيزى} النَّجْم آيَة 19 - 23 فَألْقى الشَّيْطَان على لِسَان رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - تِلْكَ إِذن فِي الغرانيق العلى تِلْكَ إِذن شَفَاعَة ترتجى فَفَزعَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وجزع فَأوحى الله إِلَيْهِ {وَكم من ملك فِي السَّمَاوَات لَا تغني شفاعتهم شَيْئا} النَّجْم آيَة 26 ثمَّ أوحى إِلَيْهِ فَفرج عَنهُ {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} إِلَى قَوْله {حَكِيم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: خرج النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْمَسْجِد ليُصَلِّي فَبَيْنَمَا هُوَ يقْرَأ إِذْ قَالَ: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} فَألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه فَقَالَ: تِلْكَ الغرانقة العلى وَإِن شفاعتهن ترتجى حَتَّى إِذا بلغ آخر السُّورَة سجد وَسجد أَصْحَابه وَسجد الْمُشْركُونَ لذكره آلِهَتهم فَلَمَّا رفع رَأسه حملوه فاشتدوا بِهِ بَين قطري مَكَّة يَقُولُونَ: نَبِي بني عبد منَاف حَتَّى إِذا جَاءَهُ جِبْرِيل عرض عَلَيْهِ فَقَرَأَ ذَيْنك الحرفين فَقَالَ جِبْرِيل معَاذ الله أَن أكون أقرأتك هَذَا فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَأنْزل الله يطيب نَفسه {وَمَا أرسلنَا من قبلك}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} يَقُول: إِذا حدّث ألْقى الشَّيْطَان فِي حَدِيثه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {إِذا تمنى} يَعْنِي بالتمني التِّلَاوَة وَالْقِرَاءَة {ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} فِي تِلَاوَة النَّبِي {فَينْسَخ الله} ينْسَخ جِبْرِيل بِأَمْر الله {مَا يلقِي الشَّيْطَان} على لِسَان النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {إِذا تمنى} قَالَ: تكلم فِي أمْنِيته قَالَ: كَلَامه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {ليجعل مَا يلقِي الشَّيْطَان فتْنَة للَّذين فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: المُنَافِقُونَ {والقاسية قُلُوبهم} يَعْنِي الْمُشْركين {وليعلم الَّذين أُوتُوا الْعلم أَنه الْحق}
(6/69)
قَالَ: الْقُرْآن {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا فِي مرية مِنْهُ} قَالَ: من الْقُرْآن {عَذَاب يَوْم عقيم} قَالَ: لَيْسَ مَعَه لَيْلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي {مرية مِنْهُ} قَالَ: مِمَّا جَاءَ بِهِ الْخَبيث إِبْلِيس لَا يخرج من قُلُوبهم زادهم ضَلَالَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عَذَاب يَوْم عقيم} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب قَالَ: أَربع كن يَوْم بدر {أَو يَأْتِيهم عَذَاب يَوْم عقيم} ذَاك يَوْم بدر {فَسَوف يكون لزاماً} الْفرْقَان آيَة 77 ذَاك يَوْم بدر {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى} الدُّخان آيَة 16 ذَاك يَوْم بدر {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر} السَّجْدَة آيَة 21 ذَاك يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {عَذَاب يَوْم عقيم} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد عَذَاب {يَوْم عقيم} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة لَا لَيْلَة لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك مثله
(6/70)
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)
-
قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين هَاجرُوا فِي سَبِيل الله ثمَّ قتلوا أَو مَاتُوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وَإِن الله لَهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلًا يرضونه وَإِن الله لعليم حَلِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان الْفَارِسِي: سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من مَاتَ مرابطاً أجْرى الله عَلَيْهِ مثل ذَلِك الْأجر وأجرى عَلَيْهِ الرزق
(6/70)
وَأمن الفتانين وأقرأوا إِن شِئْتُم {وَالَّذين هَاجرُوا فِي سَبِيل الله ثمَّ قتلوا أَو مَاتُوا} إِلَى قَوْله: {حَلِيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن فضَالة بن عبيد الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ: - إِنَّه كَانَ برودس - فَمروا بجنازتين: أَحدهمَا قَتِيل وَالْآخر متوفى
فَمَال النَّاس على الْقَتِيل فَقَالَ فضَالة: مَا لي أرى النَّاس مالوا مَعَ هَذَا وَتركُوا هَذَا فَقَالُوا: هَذَا لقتيل فِي سَبِيل الله فَقَالَ: وَالله مَا أُبَالِي من أَي حفرتيهما بعثت
اسمعوا كتاب الله {وَالَّذين هَاجرُوا فِي سَبِيل الله ثمَّ قتلوا أَو مَاتُوا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {مدخلًا يرضونه} قَالَ: الْجنَّة
(6/71)
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
-
قَوْله تَعَالَى: ذَلِك وَمن عاقب بِمثل مَا عُوقِبَ بِهِ ثمَّ بغى عَلَيْهِ لينصرنه الله إِن الله لعفو غَفُور ذَلِك بِأَن الله يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَأَن الله سميع بَصِير ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق وَإِن مَا يدعونَ من دونه هُوَ الْبَاطِل وَأَن الله هُوَ الْعلي الْكَبِير ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة إِن الله لطيف خَبِير لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَإِن الله لَهو الْغَنِيّ الحميد
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله: {ذَلِك وَمن عاقب} الْآيَة
قَالَ: إِن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث سَرِيَّة فِي لَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا من الْمحرم فَلَقوا الْمُشْركين فَقَالَ الْمُشْركُونَ بَعضهم لبَعض: قَاتلُوا أَصْحَاب مُحَمَّد فَإِنَّهُم يحرمُونَ الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام وَإِن أَصْحَاب مُحَمَّد: ناشدوهم وذكروهم بِاللَّه أَن يعرضُوا لقتالهم فَإِنَّهُم لَا يسْتَحلُّونَ الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام إِلَّا من بادئهم وَإِن الْمُشْركين بدأوا وقاتلوهم فاستحل الصَّحَابَة قِتَالهمْ عِنْد ذَلِك فقاتلوهم ونصرهم الله عَلَيْهِم
(6/71)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ذَلِك وَمن عاقب}
قَالَ: تعاون الْمُشْركُونَ على النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه فأخرجوه فوعد الله ان ينصره وَهُوَ فِي الْقصاص أَيْضا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن مَا يدعونَ من دونه هُوَ الْبَاطِل} قَالَ: الشَّيْطَان
(6/72)
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
=====================

الحج - تفسير الدر المنثور
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)
-
قَوْله تَعَالَى: ألم تَرَ أَن الله سخر لكم مَا فِي الأَرْض والفلك تجْرِي فِي الْبَحْر بأَمْره ويمسك السَّمَاء أَن تقع على الأَرْض إِلَّا بِإِذْنِهِ إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم وَهُوَ الَّذِي أحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ إِن الْإِنْسَان لكفور
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أتيت سُلْطَانا مهيباً تخَاف أَن يَسْطُو بك فَقل: الله أكبر الله أكبر من خلقه جَمِيعًا الله أعز مِمَّن أَخَاف وَأحذر أعوذ بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الممسك السَّمَوَات السَّبع أَن يقعن على الأَرْض إِلَّا بِإِذْنِهِ من شَرّ عَبدك فلَان وَجُنُوده وأشياعه من الْجِنّ وَالْإِنْس إلهي كن لي جاراً من شرهم جلّ شَأْنك وَعز جَارك وتبارك إسمك وَلَا إِلَه غَيْرك ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {إِن الْإِنْسَان لكفور} قَالَ: يعد المصيبات وينسى النعم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {إِن الْإِنْسَان لكفور} يَعْنِي بِهِ الْكفَّار وَالله أعلم
(6/72)
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
-
قَوْله تَعَالَى: لكل أمة جعلنَا منسكاً هم ناسكوه فَلَا ينازعنك فِي الْأَمر وادع إِلَى رَبك إِنَّك لعلى هدى مُسْتَقِيم وَإِن جادلوك فَقل الله أعلم بِمَا تَعْمَلُونَ الله يحكم بَيْنكُم يَوْم القيامه فِيمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْمليح قَالَ: الْأمة مَا بَين الْأَرْبَعين إِلَى الْمِائَة فَصَاعِدا
(6/72)
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن الْحُسَيْن {لكل أمة جعلنَا منسكاً هم ناسكوه} قَالَ: ذبحا هم ذابحوه
حَدثنِي أَبُو رَافع أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا ضحى: اشْترى كبشين سمينين أملحين أقرنين فَإِذا خطب وَصلى ذبح احدهما ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا عَن أمتِي جَمِيعًا من شهد لَك بِالتَّوْحِيدِ ولي بالبلاغ ثمَّ أَتَى بِالْآخرِ فذبحه وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَن مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد ثمَّ يطعمهما الْمَسَاكِين وَيَأْكُل هُوَ وَأَهله مِنْهُمَا
فَمَكثْنَا سنتَيْن قد كفانا الله الْغرم والمؤنة لَيْسَ أحد من بني هَاشم يُضحي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {هم ناسكوه} يَعْنِي هم ذابحوه {فَلَا ينازعنك فِي الْأَمر} يَعْنِي فِي أَمر الذَّبَائِح
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {لكل أمة جعلنَا منسكاً هم ناسكوه} قَالَ ذبحا هم ذابحوه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {منسكاً هم ناسكوه} قَالَ: اهراقه دم الْهَدْي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لكل أمة جعلنَا منسكاً} قَالَ: ذبحا وحجاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَلَا ينازعنك فِي الْأَمر} قَول أهل الشّرك
أما مَا ذبح الله بِيَمِينِهِ فَلَا تَأْكُلُونَ وَأما مَا ذبحتم بِأَيْدِيكُمْ فَهُوَ حَلَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ {وادع إِلَى رَبك} قَالَ: إِلَى دين رَبك {إِنَّك لعلى هدى} قَالَ: دين مُسْتَقِيم {وَإِن جادلوك} يَعْنِي فِي الذَّبَائِح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن جريج {وَإِن جادلوك فَقل الله أعلم بِمَا تَعْمَلُونَ} لنا أَعمالنَا وَلكم أَعمالكُم
(6/73)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)
-
قَوْله تَعَالَى: ألم تعلم أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِن ذَلِك فِي كتاب إِن ذَلِك على الله يسير ويعبدون من دون الله مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ علم وَمَا للظالمين من نصير
(6/73)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خلق الله اللَّوْح الْمَحْفُوظ لمسيرة مائَة عَام وَقَالَ: للقلم - قبل أَن يخلق الْخلق وَهُوَ على الْعَرْش - اكْتُبْ قَالَ: مَا أكتب قَالَ: علمي فِي خلقي إِلَى يَوْم تقوم السَّاعَة فَجرى الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن فِي علم الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَذَلِك قَوْله للنَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - {ألم تعلم أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْض} يَعْنِي مَا فِي السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع {إِن ذَلِك} الْعلم {فِي كتاب} يَعْنِي فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرضين {إِن ذَلِك على الله يسير} يَعْنِي هَين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: سيفتح الله على أمتِي بَابا من الْقدر فِي آخر الزَّمَان لَا يسده شَيْء ويكفيكم من ذَلِك أَن تَقولُوا: {ألم تعلم أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِن ذَلِك فِي كتاب إِن ذَلِك على الله يسير}
وَأخرج اللالكائي فِي السّنة من طَرِيق آخر عَن سُلَيْمَان بن جَعْفَر الْقرشِي مَرْفُوعا مثله مُرْسلا
(6/74)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)
-
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا تتلى عَلَيْهِم آيَاتنَا بَيِّنَات تعرف فِي وُجُوه الَّذين كفرُوا الْمُنكر يكادون يسطون بالذين يَتلون عَلَيْهِم آيَاتنَا قل أفأنبئكم بشر من ذَلِكُم النَّار وعدها الله الَّذين كفرُوا وَبئسَ الْمصير
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يكادون يسطون} قَالَ: يبطشون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {يكادون يسطون} قَالَ: يبطشون
كفار قُرَيْش وَالله أعلم
(6/74)
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
==================

الحج - تفسير الدر المنثور
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
-
قَوْله تَعَالَى: ياأيها النَّاس ضرب مثل فَاسْتَمعُوا لَهُ إِن الَّذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا وَلَو اجْتَمعُوا لَهُ وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا لَا يستنقذوه مِنْهُ ضعف الطَّالِب وَالْمَطْلُوب ماقدروا الله حق قدره إِن الله لقوي عَزِيز
(6/74)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَا أَيهَا النَّاس ضرب مثل فَاسْتَمعُوا لَهُ} قَالَ: نزلت فِي صنم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ {ضعف الطَّالِب} آلِهَتكُم {وَالْمَطْلُوب} الذُّبَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لن يخلقوا ذباباً} يَعْنِي الصَّنَم لَا يخلق ذباباً {وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا} يَقُول: يَجْعَل للأصنام طَعَام فَيَقَع عَلَيْهِ الذُّبَاب فيأكل مِنْهُ فَلَا يَسْتَطِيع أَن يستنقذه مِنْهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَى النَّاس وَإِلَى الْأَصْنَام {ضعف الطَّالِب} الَّذِي يطْلب إِلَى هَذَا الصَّنَم الَّذِي لَا يخلق ذباباً وَلَا يَسْتَطِيع أَن يستنقذ مَا سلب مِنْهُ وضعف {وَالْمَطْلُوب} إِلَيْهِ
الَّذِي لَا يخلق ذباباً وَلَا يستنقذ مَا سلب مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين تدعون من دون الله} إِلَى قَوْله: {لَا يستنقذوه مِنْهُ} قَالَ: الْأَصْنَام
ذَلِك الشَّيْء من الذُّبَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {مَا قدرُوا الله حق قدره} قَالَ: حِين يعْبدُونَ مَعَ الله مَا لَا ينتصف من الذُّبَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن طَارق بن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ سلمَان دخل رجل الْجنَّة فِي ذُبَاب وَدخل رجل النَّار فِي ذُبَاب
قَالُوا: وَمَا الذُّبَاب فَرَأى ذباباً على ثوب إِنْسَان فَقَالَ: هَذَا الذُّبَاب
قَالُوا: وَكَيف ذَلِك قَالَ: مر رجلَانِ مسلمان على قوم يعكفون على صنم لَهُم لَا يُجَاوِزهُ أحد حَتَّى يقرب لَهُ شَيْئا فَقَالُوا لَهما: قربا لصنمنا قربانا
قالاك لَا نشْرك بِاللَّه شَيْئا
قَالُوا: قربا مَا شئتما وَلَو ذباباً
فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: مَا ترى قَالَ أَحدهمَا: لَا أشرك بِاللَّه شَيْئا
فَقتل فَدخل الْجنَّة
فَقَالَ الآخر: بِيَدِهِ على وَجهه فَأخذ ذباباً فَأَلْقَاهُ على الصَّنَم فَخلوا سَبيله فَدخل النَّار
(6/75)
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
-
قَوْله تَعَالَى: الله يصطفي من الْمَلَائِكَة رسلًا وَمن النَّاس إِن الله سميع بَصِير يعلم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور ياأيها الَّذين آمنُوا ارْكَعُوا واسجدوا واعبدوا ربكُم وافعلوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تفلحون
(6/75)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رصي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الَّذِي {يصطفى} من النَّاس هم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الله اصْطفى مُوسَى بالْكلَام وَإِبْرَاهِيم بالخلة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: مُوسَى بن عمرَان صفي الله
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه والباوردي وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن زيد بن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت على رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فَجعل يَقُول: أَيْن فلَان أَيْن فلَان فَلم يزل يتفقدهم وَينصب إِلَيْهِم حَتَّى اجْتَمعُوا عِنْده فَقَالَ: إِنِّي محدثكم بِحَدِيث فاحفظوه وعوه وَحَدثُوا بِهِ من بعدكم إِن الله اصْطفى من خلقه خلقا ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {الله يصطفي من الْمَلَائِكَة رسلًا وَمن النَّاس} خلقا يدخلهم الْجنَّة وَإِنِّي مصطفٍ مِنْكُم من أحب أَن اصطفيه ومؤاخ بَيْنكُم كَمَا آخى الله بَين الْمَلَائِكَة قُم يَا أَبَا بكر
فَقَامَ فَجَثَا بَين يَدَيْهِ
فَقَالَ: إِن لَك عِنْدِي يدا أَن الله يجْزِيك بهَا فَلَو كنت متخذاً خَلِيلًا لاتخذتك خَلِيلًا فَأَنت مني بِمَنْزِلَة قَمِيصِي من جَسَدِي وحرك قَمِيصه بِيَدِهِ
ثمَّ قَالَ: ادن يَا عمر فَدَنَا ثمَّ قَالَ: ادن يَا عمر فَدَنَا ثمَّ قَالَ: كنت شَدِيد الثغب علينا أَبَا حَفْص فدعوت الله أَن يعز الدّين بك أَو بِأبي جهل فَفعل الله ذَلِك لَك وَكنت أحبهما إليّ فَأَنت معي فِي الْجنَّة ثَالِث ثَلَاثَة من هَذِه الْأمة
ثمَّ تنحى وآخى بَينه وَبَين أبي بكر ثمَّ دَعَا عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ: ادن يَا عُثْمَان ادن يَا عُثْمَان فَلم يزل يدنو مِنْهُ حَتَّى ألصق ركبته بركبة رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ نظر اليه ثمَّ نظر إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: سُبْحَانَ الله الْعَظِيم ثَلَاث مَرَّات ثمَّ نظر إِلَى عُثْمَان فَإِذا ازراره محلولة فزرها رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِيَدِهِ ثمَّ قالك اجْمَعْ عطفي ردائك على نحرك فَإِن لَك شَأْنًا فِي أهل السَّمَاء أَنْت مِمَّن يرد عليّ الْحَوْض وأوداجه تشخب دَمًا فَأَقُول من فعل هَذَا بك فَتَقول فلَان
وَذَلِكَ كَلَام جِبْرِيل وَذَلِكَ إِذا هتف من السَّمَاء: إِلَّا أَن عُثْمَان أَمِير على كل خاذل
ثمَّ دَعَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ: ادن ياأمين الله والامين فِي السَّمَاء يُسَلط الله على مَالك بِالْحَقِّ أما ان لَك عِنْدِي دَعْوَة وَقد أخرتها
قالك خر لي يَا رَسُول الله
قَالَ: حَملتنِي يَا عبد الرَّحْمَن أَمَانَة أَكثر
(6/76)
الله مَالك
وَجعل يُحَرك يَده ثمَّ تنحى وآخى بَينه وَبَين عُثْمَان ثمَّ دخل طَلْحَة وَالزُّبَيْر فَقَالَ: ادْنُوا مني فدنوا مِنْهُ فَقَالَ: أَنْتُمَا حوارِي كحواري عِيسَى بن مَرْيَم
ثمَّ آخى بَينهمَا ثمَّ دَعَا سعد بن أبي وَقاص وعمار بن يَاسر فَقَالَ: يَا عمار تقتلك الفئة الباغية
ثمَّ آخى بَينهمَا ثمَّ دَعَا أَبَا الدَّرْدَاء وسلمان الْفَارِسِي فَقَالَ: يَا سلمَان أَنْت منا أهل الْبَيْت وَقد آتاك الله الْعلم الأول وَالْعلم الآخر وَالْكتاب الأول وَالْكتاب الآخر
ثمَّ قَالَ إِلَّا أنْشدك يَا أَبَا الدَّرْدَاء قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: إِن تنقدهم ينقدوك وَإِن تتركهم لَا يتركوك وَإِن تهرب مِنْهُم يدركوك فاقرضهم عرضك ليَوْم فقرك
فآخى بَينهمَا ثمَّ نظر فِي وُجُوه أَصْحَابه فَقَالَ: ابشروا وقروا عينا فَأنْتم أول من يرد عليّ الْحَوْض وَأَنْتُم فِي أَعلَى الغرف
ثمَّ نظر إِلَى عبد الله بن عمر فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي يهدي من الضَّلَالَة فَقَالَ عَليّ: يَا رَسُول الله ذهب روحي وَانْقطع ظَهْري حِين رَأَيْتُك فعلت مَا فعلت بِأَصْحَابِك غَيْرِي فَإِن كَانَ من سخط عَليّ فلك العتبى والكرامة
فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ وَمَا أخرتك إِلَّا لنَفْسي فَأَنت عِنْدِي بِمَنْزِلَة هرون من مُوسَى ووارثي
فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا أرث مِنْك قَالَ: مَا ورثت الْأَنْبِيَاء
قَالَ: وَمَا ورثت الْأَنْبِيَاء قبلك قَالَ: كتاب الله وَسنة نَبِيّهم وَأَنت معي فِي قصري فِي الْجنَّة مَعَ فَاطِمَة ابْنَتي وَأَنت أخي ورفيقي ثمَّ تَلا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذِه
الْآيَة {اخواناً على سرر مُتَقَابلين}
الاخلاء فِي الله ينظر بَعضهم إِلَى بعض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ارْكَعُوا}
قَالَ إِنَّمَا هِيَ أدب وموعظة
(6/77)
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
-
قَوْله تَعَالَى: وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده هُوَ اجتباكم وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل وَفِي هَذَا ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس فأقيموا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة واعتصموا بِاللَّه هُوَ مولاكم فَنعم الْمولى وَنعم النصير
(6/77)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: قَالَ لي عمر أَلسنا كُنَّا نَقْرَأ فِيمَا نَقْرَأ {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} فِي آخر الزَّمَان كَمَا جاهدتم فِي أَوله قلت: بلَى
فَمَتَى هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: إِذا كَانَت بَنو أُميَّة الْأُمَرَاء وَبَنُو الْمُغيرَة الوزراء
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْمسور بن مخرمَة
قَالَ: قَالَ عمر لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَذكره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} قَالَ: جاهدوا عَدو مُحَمَّد حَتَّى يدخلُوا فِي الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} قَالَ: ان الرجل ليجاهد فِي الله حق جهاده وَمَا ضرب بِسيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} يَعْنِي الْعَمَل أَن يجتهدوا فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} قَالَ: يطاع فَلَا يعْصى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} قَالَ: لَا تخافوا فِي الله لومة لائم {هُوَ اجتباكم} قَالَ: استخلصكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن فضَالة بن عبيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمُجَاهِد من جَاهد نَفسه فِي طَاعَة الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - انها سَأَلت النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن هَذِه الْآيَة {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} قَالَ: من ضيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة لِابْنِ عَبَّاس أما علينا فِي الدّين من حرج فِي أَن نَسْرِق أَو نزني قَالَ: بلَى
قَالَ: {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} قَالَ: الأصر الَّذِي كَانَ على بني إِسْرَائِيل وضع عَنْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن شهَاب أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَقُول: فِي
(6/78)
قَوْله: {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} توسعة الْإِسْلَام مَا جعل الله من التَّوْبَة وَمن الْكَفَّارَات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عُثْمَان بن بشار عَن ابْن عَبَّاس {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} قَالَ: هَذَا فِي هِلَال رَمَضَان إِذا شكّ فِيهِ النَّاس وَفِي الْحَج إِذا شكوا فِي الْهلَال وَفِي الْأَضْحَى وَفِي الْفطر وَفِي أشباهه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق سعيد بن جُبَير أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن الْحَرج فَقَالَ: ادعوا لي رجلا من هُذَيْل فَجَاءَهُ فَقَالَ: مَا الْحَرج فِيكُم فَقَالَ: الحرجة من الشّجر الَّتِي لَيْسَ لَهَا مخرج
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا الْحَرج الَّذِي لَيْسَ لَهُ مخرج
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عبيد الله بن أبي يزِيد أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن الْحَرج فَقَالَ: هَهُنَا أحد من هُذَيْل فَقَالَ رجل: أَنا
فَقَالَ: مَا تَعدونَ الحرجة فِيكُم قَالَ: الشَّيْء الضّيق
قَالَ: هُوَ ذَاك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْحَرج الضّيق لم يَجعله ضيقا وَلكنه جعله وَاسِعًا أحل لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع {وَمَا ملكت أَيْمَانكُم} {حرم عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير}
وَأخرج مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي الزهريات وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن شهَاب قَالَ: سَأَلَ عبد الْملك بن مَرْوَان عَليّ بن عبد الله عَن هَذِه الْآيَة {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} فَقَالَ عَليّ بن عبد الله: الْحَرج الضّيق جعل الله الْكَفَّارَات مخرجا من ذَلِك
سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر قَالَ: قَرَأَ عمر بن الْخطاب هَذِه الْآيَة {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} ثمَّ قَالَ: ادعوا لي رجلا من بني مُدْلِج
قَالَ عمر: مَا الْحَرج فِيكُم قَالَ: الضّيق
وَأخرج أَحْمد عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: غَابَ عَنَّا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمًا فَلم يخرج حَتَّى ظننا أَن لن يخرج فَلَمَّا خرج سجد سَجْدَة فظننا أَن نَفسه قد قبضت فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ: إِن رَبِّي عز وَجل إستشارني فِي أمتِي مَاذَا أفعل بهم
(6/79)
فَقلت: مَا شِئْت أَي رب هم خلقك وعبادك فاستشارني الثَّانِيَة فَقلت لَهُ كَذَلِك فَقَالَ: لَا أخزيك فِي أمتك يَا مُحَمَّد وبشرني: إِن أول من يدْخل الْجنَّة من أمتِي معي سَبْعُونَ ألفا مَعَ كل ألف سَبْعُونَ ألفا لَيْسَ عَلَيْهِم حِسَاب
ثمَّ أرسل إِلَيّ ادْع تجب وسل تعط فَقلت لرَسُوله: أَو معطي رَبِّي سؤلي قَالَ: مَا أَرْسلنِي إِلَيْك إِلَّا ليعطيك
وَلَقَد أَعْطَانِي رَبِّي عز وَجل وَلَا فَخر وَغفر لي مَا تقدم من ذَنبي وَمَا تأخروأنا أَمْشِي حَيَاء وَأَعْطَانِي أَن لَا تجوع أمتِي وَلَا تغلبوأعطاني الْكَوْثَر فَهُوَ نهر فِي الْجنَّة يسيل فِي حَوْضِي وَأَعْطَانِي الْعِزّ والنصر والرعب يسْعَى بَين يَدي أمتِي شهرا وَأَعْطَانِي: أَنِّي أول الْأَنْبِيَاء أَدخل الْجنَّة وَطيب لي ولأمتي الْغَنِيمَة وَأحل لنا كثيرا مِمَّن شدد على من قبلنَا وَلم يَجْعَل علينا من حرج فَلم أجد لي شكرا إِلَّا هَذِه السَّجْدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله: {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} يَقُول: لم يضيق الدّين عَلَيْكُم وَلَكِن جعله وَاسِعًا لمن دخله وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ مِمَّا فرض عَلَيْهِم فِيهِ إِلَّا سَاق إِلَيْهِم عِنْد الِاضْطِرَار رخصَة والرخصة فِي الدُّنْيَا فِيهَا وسع عَلَيْهِم رَحْمَة مِنْهُ إِذا فرض عَلَيْهِم الصَّلَاة فِي الْمقَام أَربع رَكْعَات وَجعلهَا فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَعند الْخَوْف من الْعَدو رَكْعَة ثمَّ جعل فِي وجهة رخصَة أَن يوميء إِيمَاء أَن لم يَسْتَطِيع السُّجُود فِي أَي نَحْو كَانَ وَجهه لمن تجَاوز عَن السَّيِّئَات مِنْهُ وَالْخَطَأ وَجعل فِي الْوضُوء وَالْغسْل رخصَة إِذا لم يجد المَاء أَن يتيمموا الصَّعِيد وَجعل الصّيام على الْمُقِيم وَاجِبا وَرخّص فِيهِ للْمَرِيض وَالْمُسَافر عدَّة من أَيَّام أخر فَمن لم يطق فإطعام مِسْكين مَكَان كل يَوْم وَجعل فِي الْحَج رخصَة إِن لم يجد زاداً أَو حملاناً أَو حبس دونه وَجعل فِي الْجِهَاد رخصَة إِن لم يجد حملاناً أَو نَفَقَة وَجعل عِنْد الْجهد والاضطرار من الْجُوع: أَن رخص فِي الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير قدر مَا يرد نَفسه لَا يَمُوت جوعا فِي أشباه هَذَا فِي الْقُرْآن وسعة الله على هَذِه الْأمة رخصَة مِنْهُ سَاقهَا إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم} قَالَ: دين أبيكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل} قَالَ الله عز وَجل {سَمَّاكُم}
(6/80)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين} قَالَ الله عز وَجل {سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل} قَالَ الْكتب كلهَا وَفِي الذّكر {وَفِي هَذَا} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {هُوَ سَمَّاكُم} قَالَ الله {سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل وَفِي هَذَا} أَي فِي كتابكُمْ: {ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم} أَنه قد بَلغَكُمْ {وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس} أَن رسلهم قد بلغتهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان فِي قَوْله: {هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين} قَالَ الله عز وَجل {من قبل} قَالَ: فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وَفِي هَذَا} قَالَ: الْقُرْآن {ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم} قَالَ: بأعمالكم {وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس} قَالَ: على الْأُمَم بِأَن الرُّسُل قد بلغتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: لم يذكر الله بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَان غير هَذِه الْأمة ذكرت بهما جَمِيعًا وَلم يسمع بِأمة ذكرت بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَان غَيرهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين} قَالَ إِبْرَاهِيم: أَلا ترى إِلَى قَوْله {رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك} الْآيَة: كلهَا
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن حبَان وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ والموصلي وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان والباوردي وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ عَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: من دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ من جثاء جَهَنَّم قَالَ رجل: يَا رَسُول الله وَإِن صَامَ وصلّى قَالَ: نعم
فَادعوا بدعوة الله الَّتِي سَمَّاكُم بهَا الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ عباد الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن يزِيد الْأنْصَارِيّ قَالَ: تسموا بأسمائكم الَّتِي سَمَّاكُم الله بهَا: بالحنيفية وَالْإِسْلَام وَالْإِيمَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَن مَكْحُول: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: تسمى الله باسمين سمى بهما أمتِي: هُوَ السَّلَام وسمى أمتِي الْمُسلمين وَهُوَ الْمُؤمن وسمى أمتِي الْمُؤمنِينَ وَالله تَعَالَى أعلم
(6/81)
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
==================

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فيديو مولاي صلي وسلم دائما أبدا + عبد العال الجبري

 --------------------------------       000000000000000000000000000000000000000       ---------------------------------