Translate

الجمعة، 28 مايو 2021

لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)

لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)

لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
وقال في هذه الآية الكريمة: {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

{ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) } .
يقول تعالى: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا، لتذكروه عند ذبحها، فإنه الخالق الرازق (1) لا أنه يناله شيء من لحومها ولا دمائها، فإنه تعالى هو الغني عما سواه.
وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابتنهم، ونضحوا عليها من دمائها، فقال تعالى: { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا }
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن أبي حماد، حدثنا إبراهيم بن المختار، عن ابن جريج قال: كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل ودمائها، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق أن ننضح، فأنزل الله: { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } أي: يتقبل ذلك ويجزي عليه.
كما جاء في الصحيح: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم (2) ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (3) وما جاء في الحديث: "إن الصدقة تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد السائل، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض" كما تقدم الحديث. رواه (4) ابن ماجه، والترمذي وحَسّنه عن عائشة مرفوعا. فمعناه: أنه سيق لتحقيق القبول من الله لمن أخلص في عمله، وليس له معنى يتبادر عند العلماء المحققين سوى هذا، والله أعلم.
وقال وَكِيع، عن [يحيى] (5) بن مسلم أبي الضحاك: سألت عامرًا الشعبي عن جلود الأضاحي، فقال: { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا } ، إن شئت فبع، وإن شئت فأمسك، وإن شئت فتصدق.
وقوله: { كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } أي: من أجل ذلك سخر (6) لكم البُدن، { لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } أي: لتعظموه كما هداكم لدينه وشرعه وما يحبه، وما يرضاه، ونهاكم عن فعل ما يكرهه ويأباه.
وقوله: { وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } أي: وبشر يا محمد المحسنين، أي: في عملهم، القائمين بحدود الله، المتبعين ما شَرَع لهم، المصدقين الرسولَ فيما أبلغهم وجاءهم به من عند ربه عز وجل.
[مسألة] (7) .
وقد ذهب أبو حنيفة ومالك والثوري إلى القول (8) بوجوب الأضحية على من ملك نصابا، وزاد
__________
(1) في ت، ف: "الرزاق".
(2) في ت، ف: "ألوانكم".
(3) صحيح مسلم برقم (2564).
(4) في ت: "ورواه".
(5) زيادة من ت.
(6) في ت، ف: "سخرناها".
(7) زيادة من ف.
(8) في ت: "بالقول".
(5/431)
أبو حنيفة اشتراط الإقامة أيضًا. واحتج لهم بما رواه أحمد وابن ماجه بإسناد رجاله كلهم ثقات، عن أبي هريرة مرفوعا: "من وجد سَعَة فلم يُضَحِّ، فلا يقربن مُصَلانا" (1) على أن فيه غرابة، واستنكره أحمد بن حنبل (2) .
وقال ابن عمر: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين يضحي. رواه الترمذي (3) .
وقال الشافعي، وأحمد: لا تجب الأضحية، بل هي مستحبة؛ لما جاء في الحديث: "ليس في المال حق سوى الزكاة" (4) . وقد تقدم أنه، عليه السلام (5) ضحى عن أمته فأسقط ذلك وجوبها عنهم.
وقال أبو سَريحةَ: كنت جارًا لأبي بكر وعمر، فكانا لا يضحيان خشية أن يقتدي الناس بهما.
وقال بعض الناس: الأضحية سنة كفاية، إذا قام بها واحد من أهل دار أو محلة، سقطت عن الباقين؛ لأن المقصود إظهار الشعار.
وقد روى الإمام أحمد، وأهل السنن -وحسنه الترمذي-عن مِخْنَف بن سليم؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعرفات: "على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعَتِيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي (6) التي تدعونها الرَّجبية" . وقد تكلم في إسناده (7) .
وقال أبو أيوب: كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، يأكلون ويطعمون [حتى تباهي] (8) الناس فصار كما ترى.
رواه الترمذي وصححه، وابن ماجه (9) .
وكان عبد الله بن هشام يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله. رواه البخاري.
وأما مقدار سِنّ الأضحية، فقد روى مسلم عن جابر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تذبحوا إلا مُسِنَّة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن" (10) .
__________
(1) المسند (2/321) وسنن ابن ماجه برقم (3123).
(2) في إسناده عبد الله بن عياش، قال البوصيري في الزوائد (3/50): "وإن روى له مسلم فإنما روى له في المتابعات والشواهد فقد ضعفه أبو داود والنسائي، وقال أبو حاتم، وابن يونس: منكر الحديث وذكره ابن حبان في الثقات". ثم نقل عن البيهقي أنه بلغه عن الترمذي: أن الصحيح عن أبي هريرة موقوف أ. هـ.
ويمكن أن يجاب بأن هذا الحديث لا يدل على الوجوب، كما في حديث: "من أكل الثوم فلا يقربن مصلانا" ذكر ذلك ابن الجوزي وهناك لا يلزم استنكاره.
(3) سنن الترمذي برقم (1507) وحسنه.
(4) رواه ابن ماجه في السنن برقم (1789) من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
(5) في أ: "صلى الله عليه وسلم".
(6) في ف، أ: "قال: هي".
(7) المسند (4/125) وسنن أبي داود برقم (2788) وسنن الترمذي برقم (1518) وسنن النسائي (7/167) وسنن ابن ماجه برقم (3125).
(8) زيادة من ت، ف.
(9) سنن الترمذي برقم (1505) وسنن ابن ماجه برقم (3147).
(10) صحيح مسلم برقم (1963).
(5/432)
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
ومن هاهنا ذهب الزهري إلى أن الجذَعَ لا يجزئ. وقابله الأوزاعي فذهب إلى أن الجَذَع يجزئ من كل جنس، وهما غريبان. وقال الجمهور: إنما يجزئ الثَّني من الإبل والبقر والمعز، والجذع من الضأن، فأما الثني من الإبل: فهو الذي له خمس سنين، ودخل في السادسة. ومن البقر: ما له [سنتان] (1) ودخل في [الثالثة] (2) ، وقيل: [ما له] (3) ثلاث [ودخل في] (4) الرابعة. ومن المعز: ما له سنتان. وأما الجذع من الضأن فقيل: ما له سنة، وقيل: عشرة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: ستة أشهر، وهو أقل ما قيل في سِنِّه، وما دونه فهو حَمَل، والفرق بينهما: أن الحمل شعر ظهره قائم، والجذَع شعر ظهره نائم، قد انعدل صدْعين، والله أعلم.
{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) } .
يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الأشرار وكيد الفجار، ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم، كما قال تعالى: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [ الزمر: 36 ] وقال: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } [ الطلاق: 3 ].
وقوله: { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } أي: لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال. والكفر (5) : الجحد للنعم، فلا يعترف بها.
__________
(1) زيادة من ف.
(2) زيادة من ف.
(3) زيادة من ف.
(4) زيادة من ف.
(5) في ت: "والكفور". 


=============
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) 

---------------------


أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) } .
قال العَوفي، عن ابن عباس: نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة.
وقال غير واحد من السلف (1) هذه أول آية نزلت في الجهاد، واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السورة مدنية، وقاله مجاهد، والضحاك، وقتادة، وغير واحد.
وقال ابن جرير: حدثني يحيى بن داود الواسطي: حدثنا إسحاق بن يوسف، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم -هو البَطِين-عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: لما أخرج (2) النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم. إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكُن. قال ابن عباس: فأنزل الله عز وجل: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } ، قال أبو بكر، رضي الله تعالى عنه: فعرفت أنه سيكون قتال.
__________
(1) في ف، أ: "وقال مجاهد والضحاك وقتادة".
(2) في ت، ف: "خرج".
(5/433)
ورواه الإمام أحمد، عن إسحاق بن يوسف الأزرق، به (1) وزاد: قال ابن عباس: وهي أول آية نزلت في القتال.
ورواه الترمذي، والنسائي في التفسير من سننيهما، وابن أبي حاتم (2) من حديث إسحاق بن يوسف -زاد الترمذي: ووَكِيع، كلاهما عن سفيان الثوري، به. وقال الترمذي: حديث حسن، وقد رواه غير واحد، عن الثوري، وليس فيه ابن عباس (3) .
وقوله: { وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } أي: هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبلوا (4) جهدهم في طاعته، كما قال: { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ . سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } [ محمد: 4 -6 ]، وقال تعالى: { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ (5) وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ . وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ التوبة : 14 ، 15 ]، وقال: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ التوبة: 16 ]، { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ [ اللَّهُ ] (6) الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [ آل عمران: 142 ]، وقال: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } [ محمد: 31 ].
والآيات في هذا كثيرة؛ ولهذا قال ابن عباس في قوله: { وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } وقد فعل.
وإنما شرع [الله] (7) تعالى الجهاد في الوقت الأليق به؛ لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددًا، فلو أمرَ المسلمين، وهم أقل من العشر، بقتال الباقين (8) لشَقَّ عليهم؛ ولهذا لما بايع أهلُ يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا نيفا وثمانين، قالوا: يا رسول الله، ألا نميل على أهل الوادي -يعنون أهل مِنَى-ليالي مِنى فنقتلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لم أومر بهذا". فلما بَغَى المشركون، وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وهموا بقتله، وشردوا أصحابه شَذرَ مَذَر، فذهب (9) منهم طائفة إلى الحبشة، وآخرون إلى المدينة. فلما استقروا بالمدينة، ووافاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا عليه، وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلام ومَعْقلا يلجؤون إليه -شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك، فقال تعالى: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ }
__________
(1) زيادة من ف.
(2) في ت: "ماجه".
(3) سنن الترمذي برقم (3171) وسنن النسائي الكبرى برقم (11345).
(4) في ت، أ: "يبذلوا".
(5) في ت: "بأيديهم".
(6) زيادة من ت، ف، أ.
(7) تفسير الطبري (17/123) والمسند (1/216).
(8) في ت: "المنافقين".
(9) في ف: "فذهبت".
(5/434)
قال العَوْفي، عن ابن عباس: أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق، يعني: محمدًا وأصحابه.
{ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } أي: ما كان لهم إلى قومهم إساءة، ولا كان لهم ذنب إلا أنهم عبدوا الله (1) وحده لا شريك له. وهذا استثناء منقطع بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، وأما عند المشركين فهو أكبر الذنوب، كما قال تعالى: { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } [ الممتحنة: 1 ]، وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود: { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [ البروج: 8 ]. ولهذا لما كان المسلمون يرتجزون في بناء الخندق، ويقولون: لا هُمّ (2) لَولا أنتَ ما اهتَدَينا ... وَلا تَصَدّقَْنا وَلا صَلَّينَا ...
فَأنزلَنْ سَكينَةً عَلَينَا ... وَثَبّت الأقْدَامَ إنْ لاقَينَا ...
إنّ الألَى قد بَغَوا عَلَينَا ... إذَا أرَادوا فتْنَةً أبَيْنَا (3)
فيوافقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول معهم آخر كل قافية، فإذا قالوا: "إذا أرادوا فتنة أبينا" ، يقول: "أبينا" ، يمد بها صوته.
ثم قال تعالى: { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أي: لولا أنه يدفع عن قوم بقوم، ويكشفُ شَرّ أناس عن غيرهم، بما يخلقه ويقدره من الأسباب، لفسدت الأرض، وأهلك القوي الضعيف.
{ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } وهي المعابد الصغار للرهبان، قاله ابن عباس، ومجاهد، وأبو العالية، وعكرمة، والضحاك، وغيرهم.
وقال قتادة: هي معابد الصابئين. وفي رواية عنه: صوامع المجوس.
وقال مقاتل بن حَيَّان: هي البيوت التي على الطرق.
{ وَبِيَعٌ } : وهي أوسع منها، وأكثر عابدين فيها. وهي للنصارى أيضًا. قاله أبو العالية، وقتادة، والضحاك، وابن (4) صخر، ومقاتل بن حيان، وخُصَيف، وغيرهم.
وحكى ابن جبير عن مجاهد وغيره: أنها كنائس اليهود. وحكى السدي، عمن حَدّثه، عن ابن عباس: أنها كنائس اليهود، ومجاهد إنما قال: هي الكنائس، والله أعلم.
وقوله: { وَصَلَوَاتٌ } : قال العوفي، عن ابن عباس: الصلوات: الكنائس. وكذا قال عكرمة، والضحاك، وقتادة: إنها كنائس اليهود. وهم يسمونها صَلُوتا.
وحكى السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: أنها كنائس النصارى.
__________
(1) في ف، أ: "وحد الله".
(2) في أ: "والله".
(3) الأبيات لعامر بن الأكوع كما في صحيح مسلم برقم (1803).
(4) في أ: "أبو".
(5/435)
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)
وقال أبو العالية، وغيره: الصلوات: معابد الصابئين.
وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: الصلوات: مساجد لأهل الكتاب ولأهل الإسلام بالطرق. وأما المساجد فهي للمسلمين.
وقوله: { يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } فقد قيل: الضمير في قوله: { يُذْكَرَ فِيهَا } عائد إلى المساجد؛ لأنها أقرب المذكورات.
وقال الضحاك: الجميع يذكر فيها اسم الله كثيرا.
وقال ابن جرير: الصوابُ: لهدمت صوامع الرهبان وبِيعُ النصارى وصلوات اليهود، وهي كنائسهم، ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيرا؛ لأن هذا هو المستعمل المعروف في كلام العرب.
وقال بعض العلماء: هذا تَرَقٍّ من الأقل إلى الأكثر إلى أن ينتهي إلى المساجد، وهي أكثر عُمَّارا وأكثر عبادا، وهم ذوو القصد الصحيح.
وقوله: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } كقوله (1) تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد: 7 ، 8 ].
وقوله: { إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } وَصَف نفسه بالقوة والعزة، فبقوته خلق كل شيء فقدره تقديرا، وبعزته لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب، بل كل شيء ذليل لديه، فقير إليه. ومن كان القويّ العزيز ناصرَه فهو المنصور، وعدوه هو المقهور، قال الله تعالى: { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ } [ الصافات: 171 -173 ] وقال [الله] (2) تعالى: { كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة: 21 ].
{ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ (41) } .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الربيع الزَّهْرَاني، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب وهشام، عن محمد قال: قال عثمان بن عفان: فينا نزلت: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ } ، فأخرجنا من ديارنا بغير حق، إلا أن قلنا: "ربنا الله" ، ثم مُكنّا في الأرض، فأقمنا الصلاة، وآتينا الزكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور، فهي لي ولأصحابي.
__________
(1) في ت: "لقوله".
(2) زيادة من ت.
(5/436)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فيديو مولاي صلي وسلم دائما أبدا + عبد العال الجبري

 --------------------------------       000000000000000000000000000000000000000       ---------------------------------